القسم الاسلامى

**وليدالرمحى** · الجمعة يوليو 08, 2011 12:17 am

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يستفاد من الروايات الاسلامية اضافة الى مسالة تجسيم الاعمال بان اخلاق الانسان تتجسد ايضا في ذلك اليوم على صورة انسان .
وعـلى هذا الاساس فان الناس يردون المحشر على صور مختلفة بمايتناسب مع اخلاقهم وطباعهم فـالـذيـن لهم قلوب مملؤة بنور الايمان تظهر وجوههم بيضا ونورانية منيرة , وبعكس ذلك القلوب المظلمة الذين كانوا يعيشون في ظلمات الكفر فتظهر وجوههم سودا مظلمة كما قال تعالى في كتابه الـكـريـم (يـوم تـبـيـض وجـوه وتـسود وجوه فاما الذين اسودت وجوههم اكفرتم بعد ايمانكم فـذوقـواالـعـذاب بـمـا كـنـتـم تـكـفـرون # وامـا الـذيـن ابيضت وجوههم ففي رحمة اللّه هم فيهاخالدون ) ((93)) .
وقـال تـعالى في موضع آخر فيما يتعلق بمصير المذنبين والظلمة (كانمااغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما) ((94)) .
نـعـم , ان ذلـك اليوم هو يوم الظهور ويوم التجسم فتبرز كل الاخلاق والطباع الداخلية والملكات النفسية ويصطبغ جميع جسد الانسان بلونها الخاص كما قال الشاعر الفارسي :
كلما يستوطن القلب , له ـــــ هيئة يوم آبعاث البشر.
وآلذي كنت عليه عاكفا ـــــ فيه تحشر يوم المحشر.
ونقل بعض المفسرين الكبار عند تفسيرهم قوله تعالى في الاية 18 سورة النبا (يوم ينفخ في الصور فتاتون افواجا) حديثا عن الرسول (9)وخلاصته :
كـان مـعاذ بن جبل جالسا بالقرب من رسول اللّه (9) في منزل ابي ايوب الانصاري , فقال : يارسول اللّه ارايـت قول اللّه تعالى (يوم ينفخ في الصور فتاتون افواجا), فقال : ((يامعاذ سالت عن عظيم من الامـر ثـم ارسل عينه ثم قال : عشرة اصناف من امتي يحشرون اشتاتا قد ميزهم اللّه من المسلمين فـبـعضهم على صورة القردة وبعضهم على صورة الخنازير, وبعضهم عمي يترددون وبعضهم صم بـكم لايعقلون وبعضهم يمضغون السنتهم يسيل القيح من افواههم لعابا يتقززهم اهل الجمع , وبعضهم اشـد نـتـنـا مـن الـجيف الحديث )) فاما الذين على صورة القردة فالقتات من الناس , واما الذين على صـورة الـخـنـازيـر فـاهل السحت والعمى الجائرون في الحكم والصم البكم المعجبون باعمالهم والـذين يمضغون السنتهم العلما والقضاة الذين خالفت اعمالهم اقوالهم والذين اشد نتنا من الجيف الذين يتمتعون بالشهوات واللذات ويمنعون حق اللّه تعالى في اموالهم ((95)) .

محكمة الشهود والميزان والحساب

تمهيد :
ان اهـم مـنزل من منازل يوم القيامة مرحلة حساب الخلائق في محكمة العدل الالهي بحضور مختلف الشهود, فتوزن الاعمال هناك بميزان خاص .
نعم هي محكمة تزلزل الجمع , محكمة تشير الخوف والوجل .
قاضيها وحاكمها هو اللّه جل جلاله , وشهودها الملائكة المقربون .
محكمة كتابها لايغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصاها فيسال الانسان فيها عن كل شي حتى عن نياته .
وآيـات الـمـعاد في هذا المجال كثيرة فاحيانا تشير الى اصل محكمة الاخرة والى قاضيها سبحانه وتعالى , واحيانا اخرى تشير الى الشهود وثالثة الى الميزان ورابعة الى كيفية الحساب في ذلك اليوم .
ان الايـات الـقرآنية المتعلقة بهذا الموضوع اضافة الى ماتطرحه من نكات ظريفة ودقيقة في كافة الـمـجـالات فـانها تحمل رسالة تربوية هامة لها ابلغ الاثر في تنوير القلوب بنور التقوى والهداية وتدفع الانسان الى القيام بمسؤولياته على اكمل وجه لتوصله الى طريق السعادة والتكامل .
بعد هذه المقدمة نرجع الى القرآن الكريم ولنقرا هذه الطائفة من الايات :
1 ـ (وان كل لما جميع لدينا محضرون ) يس ـ32.
2 ـ (اللّه يحكم يوم القيمة فيما كنتم فيه تختلفون ) الحج ـ69.
3 ـ (فما يكذبك بعد بالدين اليس اللّه باحكم الحاكمين ) التين ـ7 ـ8.
4 ـ (فالينا مرجعهم ثم اللّه شهيد على مايفعلون ) يونس ـ 46.
5 ـ (فكيف اذا جئنا من كل امة بشهيد وجئنا بك على هؤلا شهيدا)النسا ـ41.
6 ـ (وجات كل نفس معها سائق وشهيد) ق ـ21.
7 ـ (يوم تشهد عليهم السنتهم وايديهم وارجلهم بما كانوا يعملون ) النور ـ24.
8 ـ (وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا انطقنا اللّه الذي انطق كل شي ) فصلت ـ2.
9 ـ (يومئذ تحدث اخبارها بان ربك اوحى لها) الزلزال 4 ـ5.
10 ـ (ونـضـع الموازين القسط ليوم القيمة فلا تظلم نفس شيئا ان كان مثقال حبة من خردل اتينا بها وكفى بنا حاسبين ) النبا ـ47.
11 ـ (والـوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فاؤلئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فاؤلئك الذين خسروا انفسهم ) الاعراف ـ8 ـ9.
12 ـ (هذا ما توعدون ليوم الحساب ) ص ـ53.
13 ـ (ان اللّه سريع الحساب ) آل عمران ـ199, المائدة ـ4, ابراهيم ـ51, غافر ـ17.
14 ـ (الا له الحكم وهو اسرع الحاسبين ) الانعام ـ62.
15 ـ (ان الينا ايابهم ثم ان علينا حسابهم ) الغاشية ـ25 ـ26.
16 ـ (اقرا كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) الاسرا ـ14.
تفسير وفذلكة :
الجميع محضرون في تلك المحكمة العظمى :

الايـة الاولـى تـتحدث عن حضور جميع الامم امام اللّه تعالى في محكمة عدله ,فبعد ان اشارت الى الاقوام السابقة وكيفية هلاكها بذنوبها, قال تعالى (وان كل لماجميع لدينا محضرون ) ((96)) .
صـحـيـح , ان الـناس وجميع المخلوقات في هذه الدنيا وفي كافة الاحوال ,في محضر اللّه تبارك وتـعـالى , فهو حاضر في كل مكان وهو معنا اينما كنا وهو اقرب الى انفسنا منا, ولكن هذه المسالة تـتـخـذ بعدا آخر يوم القيامة فمن جهة يكشف عن جميع حجب الغفلة والجهل فتصبح الابصار حادة قـويـة والـقلوب ذات بصيرة نافذة ومن جهة اخرى تتجلى في ذلك اليوم آثار اللّه اكثر من اي وقت اخر فتقام محكمة عدله وتوضع موازين القسط.
حقا انه مشهد عظيم الكل يحضر ليقف على ماقدم وعمل في الحياة الدنيا, الكل في محضر اللّه تعالى .
وتـتـحـدث الاية الثانية عن حكمه وقضائه تبارك وتعالى بين الناس في ذلك اليوم , وعن الفصل بين جميع اختلافات ومنازعات الناس في دار الدنيا بمختلف اشكالها والوانها (العقائدية , او اليومية ) قال تعالى (اللّه يحكم بينكم يوم القيمة فيماكنتم فيه تختلفون ).
مـن الـبـديـهي ان انواع الحجب التي تحيط بفكر وقلب الانسان في هذه الدنيا (حب الذات , الانانية , المصالح الشخصية والطائفية , العصبية حجاب الذنوب ) لاتسمح بحل اختلافات الاقوام والشعوب , ولـكـن عـنـدمـا تـرفـع جميع هذه الحجب ويصبح الحكم للّه الواحد القهار عند ذلك تنتهي جميع الاخـتـلافـات والمنازعات ان المبطلين بعد ازالة هذه الحجب ينقادون ويرجعون الى عقولهم بحيث يصبحوا هم المحاسبون لانفسهم وسنبين ذلك في البحوث المقبلة .
الايـة الـثـالـثـة ابرزت نفس هذا المعنى بلباس آخر فتحدثت عن الانسان الجحود الذي خلقه اللّه سبحانه وتعالى (في احسن تقويم ) وعلى اثر سؤ اعماله سقط في (اسفل سافلين ) فتقول الاية (فما يـكـذبك بعد بالدين ) ((97)) اي : اي شي يكذبك ايها الانسان بعد كل هذه الحجج والدلائل بالدين الـذي هـو الجزا والحساب (او اي شي يكذبك ايها الانسان بعد كل هذه الحجج والدلائل على انكار المعاد).
(اليس اللّه باحكم الحاكمين ) اي (اليس اللّه باقضى القاضين فيحكم بينك يامحمد وبين اهل التكذيب بك ).
اجـل فـهو احكم الحاكمين لعلمه المحيط بكل شي فلا تخفى عليه خافية , فالعلم هو الشرط الاول الـذي يـجـب تـوفره في الحاكم هذا من جهة ومن جهة اخرى انه تعالى غير محتاج لاحد وليس له مصلحة في شي حتى يقضي لاجله على خلاف الحق .
امـا الـنـاس فـهـم مـحتاجون فيقعون تحت تاثير المصالح الشخصية اوالجماعية واحيانا العواطف والاحـاسـيس فيحكمون حكما على خلاف الحق والعدل , وبما ان اللّه سبحانه وتعالى منزه عن كل ذلك فهو احكم الحاكمين وخيرالفاصلين .
والجدير بالذكر ان كثيرا من التفاسير ذكرت هذه الرواية عن الرسول الاكرم (9) وهي انه (9) عندما كان يكمل هذه الايات كان يقول : (بلى وانا على ذلك من الشاهدين ).
هذا الحديث هو دليل على التفسير الذي ذكرناه سابقا (تامل ).
شهود المحشر :

ورد فـي الايـة الـرابـعة كلام عن شهود يوم القيامة فاشارت الى الذات الالهية المقدسة فهو تعالى الشاهد الاول , قال تعالى : (فالينا مرجعهم ثم اللّه شهيد على مايفعلون ) ((98)) .
فـالمحكمة التي يكون حاكمها اللّه جل جلاله وشاهدها الاول ذاته المقدسة فهل من الممكن ان يغفل عن شي ويفوته عند الحساب ؟ ومن البديهي ان تكون مثل هذه المحكمة محكمة مثيرة للقلق والوجل لالاحتمال الحكم بغير الحق بل بسبب سؤ اعمالن.
لـقـد فـسـر بعض المفسرين الشهادة هنا بمعنى الجزا والمجازاة في حين انه لاضرورة لمثل هذا التفسير الذي يخالف ظاهر الاية وذلك لعدم وجود اي مانع لشهادة الذات الالهية المقدسة على اعمال العباد في ذلك اليوم وتعيين شهادته تعالى عن طريق الهام الملائكة المامورين بالحساب .
وقيل : ان شهادة اللّه تكون بانطاق اعضا جسم الانسان فتجيب عمااقترف من اعمال في الدني.
الايـة الـخامسة تحدثت عن شهود المحشر ايضا ولكن كان الكلام فيهايدورحول شهادة الانبيا على امـمهم وشهادة الرسول الاعظم (9) على سائر الانبياقال تعالى : (فكيف اذا جئنا من كل امة بشهيد وجئنا بك على هؤلا شهيدا).
ومـع ان هـذه الاية لم تذكر صراحة بان شهدا كل امة هم انبياؤها ولكن القرائن تؤكد هذه المسالة وذلـك لان نـبي كل امة هو اكثر الناس صلاحية للشهادة على امته كماان الاية الكريمة لم تذكر من المراد بكلمة (هؤلا) اي من هم بالدقة ؟ ولذافقد ذكر المفسرون احتمالات لذلك قال بعضهم : انها اشارة الى قوم الرسول (9)فهو الشاهد عليهم يوم القيامة ((99)) .
ولكن الكثير من المفسرين قالوا : (هؤلا) اشارة الى الانبيا الذين اشارت اليهم الجملة السابقة وبهذا سيكون الرسول (9) هو الشاهد على جميع الشهود.
ويطرح هنا هذا السؤال : وهو كيف تكون شهادة الانبيا (:) على اممهم او شهادة الرسول (9) على الانبيا مع العلم ان معنى الشهود مقترن مع الحضور,وان كل نبي من الانبيا وبضمنهم الرسول الاعظم (9) جاؤوا في مقطع زمني محدد من تاريخ اممهم ؟
مـن الـممكن ان يكون المعنى ان ارواحهم في عالم البرزخ ناظرة الى احوال اممهم وهذا ينافي قوله تعالى في الاية 117 من سورة المائدة التي تتكلم عن لسان المسيح (7) : (وكنت عليهم شهيدا مادمت فيهم فلما توفيتني كنت انت الرقيب عليهم ) فيتضح من خلال هذه الاية الكريمة ان الشهادة هي تعني الـحـضـور الـمـقـتـرن بـالـرقـابـة والـتصدي للانحراف وليس بالحضور فقط , اما فيما يتعلق بـالـرسول الاكرم (9) فمن الممكن ان يكون حضور روحه المقدسة على طول تاريخ البشرية هو الـسبب لهذه الشهادة كما ورد في الروايات ان اول ماخلق اللّه تعالى نورمحمد (9) : عن علي (7) ان اللّه تـبـارك وتـعالى خلق نور محمد (9) قبل ان يخلق السموات والارض والعرش والكرسي واللوح والقلم والجنة والنار ((100)) .
وهناك احتمال آخر في معنى الشهادة وهو مقياس الوزن , وذلك لان الانسان الانموذج يمكن ان يكون بعمله شاهدا على اعمال الصالحين (الاشخاص الذين تشبه اعمالهم اعمال القدوة ) وكذلك شاهدا على اعمال الطالحين وبهذاالمعنى لا ينحصر مفهوم الاية بشهود القيامة .
ومـن المناسب ان نذكر حديثا للرسول الاكرم (9) في هذا الصدد فقدروي ان النبي (9) قال لابن مـسعود (اقرا القرآن علي ) قال قلت يارسول اللّه انت الذي علمتنيه قال : احب ان اسمعه من غيري قـال ابـن مسعود فافتتحت سورة النساحتى انتهيت الى هذه الاية بكى الرسول (9) قال ابن مسعود فامسكت عن القراة ((101)) .
وفـي نـقل آخر وفي ادامة لنفس هذه الرواية قال : يارب هذا على من انا بين ظهرانيهم فكيف من لم ارهم ((102)) .
والـظـاهـر ان بكا الرسول (9) انما كان للمواقف المرعبة للمحشر ولثقل المسؤولية التي وضعت عـلى كاهله (9) الا وهي مسؤولية الشهادة على الحاضرين والاهم منها الشهادة على الغائبين والتي سوف يقدر عليها بالتاييد الالهي .
ولـقد جا في الاية السادسة حديث عن شهادة الملائكة في تلك المحكمة العظيمة , قال تعالى (وجات كل نفس معها سائق وشهيد).
السائق : هو الذي يسوق النفوس الى محكمة العدل الالهي .
الشهيد : هو الذي يشهد على اعماله.
ومـع ان الايـة الـكريمة لم تصرح بان هذا (السائق ) و (الشهيد) هو من الملائكة او من غيرهم ؟ وفي حال كونه من الملائكة فاي ملك منهم ؟
ولـكن القرائن تؤكد بانه من الملائكة حتما نظرا لكونهم الانسب لتحمل مثل هذه المسؤولية الثقيلة وان هـذا الـعمل يناسب نفس الملكين المامورين بتسجيل ((الحسنات )) و ((السيئات )) حيث انهما اكثر الملائكة اطلاعا على اعمال بني آدم .
وقـيـل : ان الـسـائق هو ملك الموت الذي يسوق الانسان نحو الموت والشاهد هو عمل الانسان او جوارحه او صحيفة اعماله .
وفسر البعض السائق (بالشيطان ) والشاهد بالملك .
ويـلاحـظ ان جـميع هذه التفاسير لاتنسجم مع ظاهر الاية باستثنا التفسيرالاول على اية حال ان الملك الاول هو المانع من الفرار , اما الملك الثاني فهو المانع من الانكار فيومئذ لامحيص للفرار ولا حيلة لانكار الاعمال .
ويـمـكـن ان نشبه حال هؤلا كمثل حال المجرمين الذين يساقون في هذه الدنيا الى المحكمة , فهناك مامور يسوقهم من ورائهم وآخر يتقدمهم بصحيفة اعمالهم .
وجـا فـي نـهـج الـبلاغة : ان الامام امير المؤمنين علي (7) قال بعد هذه الاية (سائق يسوقها الى محشرها وشاهد يشهد عليها بعملها) ((103)) .
ولـقـد ورد في الاية السابعة كلام عن (شهادة الجوارح ) في تلك المحكمة المرعبة قال تعالى (يوم تشهد عليهم السنتهم وايديهم وارجلهم بما كانوا يعملون ).
وقال في موضع آخر (يومئذ يوفيهم اللّه دينهم الحق ).
امـا الاية الثامنة فهي تشبه الاية السابقة مع شي من الاختلاف الا وهوحديثها عن شهادة الجلود قال تـعـالـى : (حـتـى اذا مـا جاوها شهد عليهم سمعهم وابصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون # وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا # قالوا انطقنااللّه الذي انطق كل شي ).
يـظـهر من الايات اعلاه ان اللّه سبحانه وتعالى يعطي لاعضا البدن وحتى الجلد القدرة على التكلم والـنـطق فكل عضو من الاعضا يجيب عما فعله , فالاذن تجيب عما سمعت والعين عما رات والجلد عما لمس واللسان عما قال واليد عماانجزت والقدم عن الطريق الذي سلكته فتعترف كل من الاعضا الستة عن الاعمال التي اكتسبته.
ويـقول بعض المفسرين ان بعض هذه الاعضا يشهد على جميع اعمال الانسان كشهادة الزمان وليس عـلى اعمال ذلك العضو فقط, وهذا لايتناسب مع ظاهر الايات ومن هنا يتضح انه اذا لم تذكر بعض الاعـضـا (كـالقلب والمخ والشفتين والاسنان بالنسبة للنيات والاغذية والاقوال ) فلا يعني ذلك ان الـشهادة تنحصر بهذه الاعضا الستة وعلى مايظهر ان كل عضو يجيب عن اعماله واي شاهد اصدق من هذا من الواضح ان هذه الشهادة (شهادة الجوارح ) ولو انها تنطق بقدرة اللّه سبحانه وتعالى الا انها ليست شـهـادة اللّه مـباشرة ولقد نقل ذلك الفخر الرازي في تفسيره ((104)) كاحد التفاسير التي قيلت بشان هذه الاية .
ومـن الـطـريف , طبق هذه الايات ان المذنبين يعاتبون جلودهم :(لم شهدتم علينا) او ـ كيف شهدتم ضدنا ـ (السؤال الاول سؤال عن السبب اما السؤال الثاني فهو سؤال عن الكيفية ).
امـا بقية الاعضا الخمسة فلا تسال مثل هذا السؤال , ولعل السبب في ذلك هو ان شهادة الجلود اكثر عـجـبا من سائر الشهادات وانها شهادة غير متوقعة تماما اضافة الى ذلك ان الجلود تلمس بشكل من الاشـكـال جـمـيـع الافـعال ولا تختص بعضو معين لا كما قال بعض المفسرين بان هذه اشارة الى ((الفرج )) فقط.
ونـخـتـم كـلامـنا في هذا البحث بالاشارة الى انه يستفاد من بعض الايات الكريمة بان سائر اعضا الـجـسـم مـاعدا ((اللسان )) تشهد على الانسان اولا , وبعد ان تتضح المسائل يعترف اللسان ايضا بـالـحـقيقة كما ورد ذلك في الاية 65 سورة يس (اليوم نختم على افواههم وتكلمنا ايديهم وتشهد ارجلهم بما كانوايكسبون ).
الاية التاسعة تتحدث عن (شهادة الارض ) على الانسان بما عمل قال تعالى : (يومئذ تحدث اخبارها) (بان ربك اوحى لها).
وبـهذا تعتبر الارض التي نؤدي عليها اعمالنا احدى اهم الشهادات في ذلك اليوم , كما ورد ذلك في حديث عن الرسول الاعظم (6) اذا قال : (اخبارهاان تشهد على كل عبد وامة بما عمل على ظهرها تقول عمل كذا وكذا, ويوم كذاوكذا, وهذا اخبارها) ((105)) .
وقـال ابـو سعيد الخدري اذا كنت بالبوادي فارفع صوتك بالاذان فاني سمعت رسول اللّه (9) يقول (لايسمعه جن ولا انس ولا حجر ولا شجر الا يشهدله ) ((106)) .
واعـطى بـعض المفسرين احتمالات اخرى في تفسير الاية : من جملتها ان الارض تخبر عن قيام الـسـاعـة فـي هـذه الاثـنا وعندما يشاهد الانسان زلزلة الساعة يقول مالها : (وقال الانسان مالها) ((107)) .
وورد هـذا الاحتمال ايضا وهو ان الارض تحدث اخبارها بما اخرجت من اثقالها فتقول (رب هذا ما استودعتني ) , مشيرة الى الابدان التي تلفظه.
ولكن التفسير الاول اضافة الى انه ينسجم مع سياق آيات السورة كذلك يتوافق مع الاحاديث الكثيرة المنقولة عن الرسول الاعظم (9).
ولـقد وردت احاديث كثيرة عن الامام علي (7) بخصوص شهادة الارض على الصلاة وعلى تقسيم بيت المال : حيث قال : (صلوا المساجد في بقاع مختلفة فان كل بقعة تشهد للمصلي عليها يوم القيامة ) ((108)) .
وهـنا يطرح هذا السؤال كيف تتحدث الارض عن اخبارها ؟ لقد اخذ بعض المفسرين بظاهر الاية بان الارض ستكون في ذلك اليوم وبقدرة اللّه ذات ادراك وشعور وقدرة على النطق فهي تجيب عن الـحوادث التي جرت على ظهرها ولاعجب من هذا الامر, حيث (وان الدار الاخرة لهى الحيوان ) ((109)) فحياة القيامة هي الحياة الحقيقية فكل شي يصبح حيا وحتى الارض فمن الممكن ان يكون لها نوع من الادراك والشعور.
وقـيـل ان المراد : هو ان اللّه سبحانه وتعالى يخلق فيها امواجا صوتية ففي الواقع ان المتحدث هو اللّه سـبـحـانـه وتعالى (ويمكن ان نشبه هذا المعنى باشرطة التسجيل حيث ان المتكلم ليس جهاز التسجيل وانما هو الانسان الذي سجل الشريط).
وهـنـاك احـتمال آخر : هو ان المقصود من (حديث الارض ) هو اظهار آثارالاعمال التي اكتسبها الانسان على ظهرها حيث ان لكل عمل آثار.
وانسب هذه التفاسير هو التفسير الاول :
نـسـتـنتج من مجموع الايات السالفة الذكر ان في يوم القيامة بالاضافة الى شهادة اللّه تبارك وتعالى بالنسبة لاعمال العباد كذلك تشهد الانبيا والملائكة والجوارح والارض .
ميزان الاعمال :

الايـة الـعاشرة ناظرة الى مسالة ((ميزان الاعمال )) قال تعالى (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا).
فكل شي يوزن بهذا الميزان كبيرا كان ام صغيرا حتى وان كان بمقدار حبة من خردل فسوف ياتي به اللّه تعالى للحساب .
وحـبـة الـخردل : حبة صغيرة جدا خفيفة الوزن وتضرب بها الامثال لصغرحجمها وخفتها , وهي اشارة الى اصغر الاعمال اي كل شي في ميزان حتى صغائرالاعمال .
مـوازيـن : جـمع ميزان وهو الوسيلة لقياس الاشيا وهذا التعبير يدل على ان في ذلك اليوم لايوجد مـيـزان واحـد لـلاعمال بل هناك عدة موازين قيل : من الممكن ان يكون لكل انسان ,او امة او عمل ميزانا , فالصلاة مثلا توزن بميزان وكذلك الصيام والحج والجهاد اي لكل واحد منها ميزان خاص .
وقـيـل : ان الـمـيزان هو واحد لا اكثر ((110)) والدليل على هذا القول بعض الروايات في هذا المجال (وسنعرض لها لاحقا) وما صيغة الجمع (موازين ) الا لبيان عظمة الميزان حيث يعادل الاف الـمـوازين ولكن ـ وكما سنتطرق الى ذلك ـ لايوجداي دليل على هذا التفسير الذي يخالف ظاهر الاية بل هناك عدة ادلة على تعددالموازين .
وما يجب معرفته هنا هو ان ميزان القيامة هو كالموازين الدنيوية لكل ميزان كفتان ولكن يختلف عنها بكبره وعظمته ؟
واذا كان الامر كذلك فكيف توزن الاعمال وهي لا وزن لها؟
هناك عدة آرا في هذا المجال :
فقيل ان ما يوزن هو صحيفة الاعمال , وقيل : ان الاعمال تتسجم يوم القيامة ويصبح لها وزن .
والـخـلاصة ان الذين يعتقدون بان موازين القيامة تشبه موازين هذه الدنياقد اجبروا على القول بان هناك نوعا من الاوزان والاثقال حتى يمكن وزنها بمثل هذه الموازين .
ولـكن القرآن يدلل بان المقصود بالميزان هو وسيلة لقياس الاوزان بمعناهاالعام وذلك لاننا نعلم ان لـكـل شـي وسـيـلة وزن تناسبه فمثلا وسيلة قياس الحرارة يقال لها ميزان الحرارة او المحرار ووسيلة قياس الهوا ((ميزان الهوا)) او المحرارايض.
وبـنـا على ذلك فان المراد بـ (موازين الاعمال ) هم الذين تقاس اعمال الاخيار والاشرار باعمالهم كما ينقل المرحوم العلامة المجلسي عن الشيخ المفيد(ان امير المؤمنين والائمة من ذريته (:) هم الموازين ) ((111)) .
وقـد نـقل في (اصول الكافي ومعاني الاخبار) عن الامام الصادق (7) ان شخصا سال الامام الصادق (7) عـن مـعـنى الاية اعلاه فقال : (هم الانبياوالاوصيا :) ((112)) ونقرا في احدى الزيارات المطلقة لامير المؤمنين (7) قوله : (السلام على ميزان الاعمال ) ((113)) .
فان هذه الشخصيات العظيمة موازين الاعمال فالاعمال التي تشابه اعمال هذه الشخصيات تعتبر ثقيلة فـي الـمـيـزان والاعـمال التي لا تشابه مع اعمالهم تعتبرخفيفة او لاوزن لها اصلا فاوليا اللّه هم موازين الاعمال في هذه الدنيا ولكن تبرزوتتجسد هذه المسالة في العالم الاخر.
ومن هنا اتضح الجواب عن سبب ورود (الموازين ) بصيغة الجمع لكون هؤلا العظما متعددين .
وهناك روايات ومسائل اخرى في مجال (ميزان الاعمال ) وسوف نتعرض لها في فقرة التوضيحات .
الاية الحادية عشرة جات مكملة ومفسرة لموضوع ميزان الاعمال :
(والـوزن يـومـئذ الـحق # فمن ثقلت موازينه فاولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فاولئك الذين خسروا انفسهم بما كانوا بياتنا يظلمون ).
والـجـديـر بـالذكر ان اللّه سبحانه وتعالى جعل لكل انسان عددا من الموازين , وهذا التعبير يؤيد التفسير الذي يقول ان لكل عمل ميزان وهناك احتمال :بان لكل من الروح والجسم والاقوال والافعال ميزان خاص وهذا المعنى على القول بان الموازين جمع ميزان , في حين يرى البعض ان موازين جمع مـوزون (يعني الشي الذي يوزن وهي نفس اعمال الانسان ) فمن المسلم ان يكون لكل انسان والحالة هـذه موازين , اي ان له اعمال متنوعة توزن في ذلك اليوم , لكن هذا المعنى يبدو بعيدا نظرا لذهاب اغلب ارباب اللغة والمفسرين الى ان الموازين جمع ميزان دلت الروايات السالفة الذكر ان الموازين بمعنى وسائل لقياس الوزن , وبناعلى هذايكون ثقل الموازين بسبب ثقل الاعمال التي توضع فيه.
وهناك بحث آخر حول ميزان العدل في يوم القيامة سنتطرق اليه في فقرة التوضيحات .
السرعة في الحساب :

تـحـدثت الاية الثانية عشرة والثالثة عشرة والرابعة عشرة عن يوم الحساب وسرعة الاعمال في ذلك اليوم من قبل اللّه تعالى .
ولـقد تحدثت الاية الاولى بعد ان اشارت الى الايات التي قبلها الى جنات عدن وما فيها من نعم كثيرة من اطعمة واشربة , وحور عين فقالت (هذا ماتوعدون ليوم الحساب ).
ان مسالة الحساب يوم القيامة مسالة واضحة جلية بحيث ان ذلك اليوم يسمى بيوم الحساب ((114)) .
ولقد ورد في الاية التي بعدها حديث عن سرعة الحساب (ان اللّه سريع الحساب ) وكذلك ورد هذا الـمـعـنى في آيات عديدة من القرآن الكريم ((115)) وهذاالتكرار يدلل على اهمية وعظمة هذه المسالة , فمن جهة انها بشرى للصالحين حيث تخبرهم هذه الايات بانهم ينالون جزاهم بسرعة , ومن جهة اخرى ان هذه المسالة هي وعيد للكافرين والاشرار بان مجازاتهم لن تتاخر ابدا وسوف ينالون مصيرهم بسرعة كذلك .
ولقد ورت حول هذا الموضوع (سرعة الحساب ) روايات مثيرة نذكر منها :
ورد فـي حـديـث عن امير المؤمنين علي (7) ((انه سبحانه يحاسب جميع عباده على مقدار حلب شاة )) ((116)) .
هـذا الـتـشـبيه في الحقيقة يدل على قصر فترة الحساب لذا جا في رواية اخرى (ان اللّه يحاسب الخلائق كلهم في مقدار لمح البصر) ((117)) .
ان سـبـب هـذه السرعة واضح حيث ان الحساب منوط بالعلم والاطلاع الكامل ومنوط ايضا بالقدرة الخارقة ورعاية العدالة .
وبما ان اللّه سبحانه وتعالى يمتلك الحد الاكمل من هذه الصفات لذا فانه تعالى له القدرة على محاسبة جميع الناس في لمحة بصر.
ان وضـع اعمال الانسان والاثار التي تتركها في روحه وجسمه خالدة الى الابد فهي تحتفظ بنفسها حـسـاب جـمـيع الاعمال ويمكن تشبيهها من هذه الجهة بالسيارات او الطائرات او السفن حيث من الـمـمـكن حساب جميع ماقطعته السيارة او الطائرة من خلال طيلة عمرها من خلال العداد (جهاز الـكـيـلـومتر) فكذلك حساب اعمالنا فلن تحتاج الا الى نظرة واحدة لترى وتقرا هذا المقياس في وجود الانسان وعينه واذنه ويده ورجله وروحه .
ان كل هذه التعابير لها اهداف تربوية هامة , ويتضح هذا بشي من التامل والتدبر في هذه الايات .
لـقد تحدثت الاية الخامسة عشرة عن حساب اعمال العباد من قبل اللّه تبارك وتعالى فقالت صراحة : (ان الينا ايابهم ثم ان علينا حسابهم ).
في حين ان الاية السادسة عشرة تقول : (اقرا كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) ولكن لايوجد اي تضاد او منافاة بين الاثنتين .
فـالـحـسـيب الاصل هو اللّه تبارك وتعالى ولكنه يقول للانسان ايضا انت تستطيع ان تحاسب نفسك بنفسك وفي النتيجة تكون جميع المحاسبات واحدة لاتحيد عن الحق والعدل لماذا؟
لان ادلة الحساب في غاية الوضوح والجزا معين , والقوانين الالهية في ذلك اليوم صريحة جلية فلا مجال للاستنباطات النظرية التي هي منشا الاختلافات في احكام القض.
ومـن الـجـدير بالذكر ان كلمتي ((الينا)) و ((علينا)) اللتين وردتا في : (ان اليناايابهم ) (ثم ان عـلينا حسابهم ) , خبر مقدم تفيدان الحصر , اي رجوعهم اليناوحدنا, وسيكون حسابهم علينا فقط وبهذا الترتيب ان هذا تنفي جميع الاحتمالات والاشكالات الاخرى على اية حال ان هذا وعيد للكفار والمجرمين الذين اعرضوا عن آيات الحق وقد اشارت الى هذا المعنى الايات التي تسبق هذه الاية .
ويـمكن ان تكون هذه الايات بشرى لاوليا اللّه الذين يعلمون بان حسابهم على اللّه وسوف يرجعون الـى مـحـبـوب قـلوبهم فيجزيهم الجزا الاوفى , وان كان عندهم زلل او خطا فهو يغفر لهم بلطفه وكرمه وهناك نكتة اخرى جديرة بالاهتمام حيث ورد في بعض الروايات والزيارات ان اياب الخلق وحسابهم على علي (7)والائمة المعصومين (:) ولقد انتقد هذا الاعتقاد بعض مفسري اهل السنة مثل الالوسي في روح البيان حيث قال بان هذا الكلام يتنافى مع ماورد في الايات اعلاه .
فـي حين نحن نعلم بان الامام علي والائمة المعصومين (:) كلهم مطبقون لاوامر اللّه واحكامه وبنا عـلـى ذلـك يصبح حسابهم هو حساب اللّه تعالى وحكمهم كحكم الاعمال التي تقوم بها الملائكة في عـالـم ((الـتـكـوين )) و ((التشريع ))وتنسب جميع هذه الاعمال الى اللّه سبحانه وتعالى لحكم حصولها بامره , وفي نفس الوقت تنسب الى الملائكة ايض.
وهناك شبهة اخرى مشهورة طرحها هؤلا في هذا الصدد وهذه الشبهة هي ((مابالعرض )) و ((ما بـالذات )) وبتعبير اوضح انه لا احد يزعم بان حساب الخلائق وايابها ينسب الى علي والائمة (:) بـصـورة مـسـتقلة بل ان الكل يقول ان هذا الفعل بذاته يختص باللّه وينسب بالواسطة الى علي (7) والائمة (:) وهذه المسالة لاتختلف عن مسالة الشفاعة وعلم الغيب وغيرها من المسائل فجميع هذه الامورتنسب بالذات الى اللّه تعالى وتنسب بالعرض للانبيا والاوصياوالملائكة .
ومـن العجب ان الالوسي ((118)) قد التفت في آخر كلامه بشكل عابر الى هذه النكتة ولكنه عاد وادار مـسير الحديث معترضا بقوله ان كان المقصود هذا فلماذايختار عليا (7) لادا هذا العمل من بين الانبيا والمرسلين والملائكة المقربين ((119)) .
الاجـابـة عـن هـذا السؤال واضحة : وهي ان الامام علي (7) رجل شامخ ‌وذو درجة رفيعة وكان مجهول القدر بين الامة الاسلامية فشا اللّه تعالى ومن هذه الطريق ان يبرز مقامه الرفيع لكافة الناس .
والشاهد على هذا الكلام ان هناك روايات كثيرة رويت عن طرق اهل السنة تدلل بان الرسول (9) قال بحق الامام علي (7) ياعلي انت قسيم الناروالجنة .
ومن جملة هذه الاحاديث :
1 ـ يـنـقـل ((ابن المغازلي )) في كتاب ((ؤمنين 7)) عن رسول اللّه (9) انه قال : ((انك قسيم الجنة والنار)) ((120)) .
2 ـ ورد نفس هذا المعنى ايضا عن رسول اللّه (9) في مناقب الخوارزمي ((121)) .
3 ـ يـنـقل ابن حجر في الصواعق المحرقة عن (الدار قطني ), قال الامام علي (7) ضمن خطاب طويل في الشورى التي اوصى بتشكيلها عمر (ستة اشخاص ) : هل فيكم رجل غيري , قال الرسول بحقه : (ياعلي انت قسيم الجنة والنار ؟ ((122)) .
4 ـ لـقـد خـصـص ((الحافظ سليمان القندوزي الحنفي في كتابه ((ينابيع المودة )) بابا تحت هذا الـعـنـوان (فـي بـيان كون علي (7) قسيم الجنة والنار) ونقل في هذا الباب الكثير من الروايات ((123)) .
5 ـ لقد نقل (ابن الاثير) في كتابه ((النهاية )) هذا الحديث .
6 ـ يلاحظ هذا المعنى صراحة في الشعر المنسوب للامام الشافعي :
علي حبه جنة ـــــ قسيم النار والجنة .
وصي المصطفى حقا ـــــ امام الانس والجنة ((124)) وهناك احاديث كثيرة في هذا المجال .
مـع كـل هذه الادلة فكيف يجرؤ الالوسي في روح المعاني ويقول ان هذاالحديث كذب وافترا على علي (7) ؟ لماذا يمنع التعصب باب التحقيق العلمي ؟
توضيحات :
1.
منظر عام للمحكمة الكبرى :

مـن الـمعلوم ان سجنا هذه الدنيا لايمكنهم ادراك الحقائق المتعلقة بالقيامة بشكل تفصيلي , وذلك لان عـالـم القيامة عالم فوق هذا العالم وهو اعلى حتى من ان نتصور المفاهيم المهيمنة عليه العالم ومثل هذا كمثل الطالب الابتدائي حيث لايمكنه ان يتصور العلوم الجامعية الواسعة .
ومع هذا يمكننا ان نرسم على ضؤ الايات والروايات الواردة في هذاالمجال صورة اجمالية عن هذه المحكمة .
ان عالم الاخرة عالم يكشف فيه عن جميع الحقائق المستورة عالم تعم الحياة فيه كل شي , وكل مكان , وحـتـى الـجـمـادات اليد, الرجل , العين , الاذن ,وحتى الجلد وسائر اعضا البدن كلها تصبح ناطقة وتـجـيـب عـن الاعمال التي اكتسبهاالانسان في الدنيا, هذا من جهة , ومن جهة اخرى تتجسم امام الانـسـان جـمـيع اعماله ,وتعرض صحف الاعمال بخطوط غير قابلة للانكار ويؤتى بالشهود من الملائكة والانبيا والاوصيا, والاهم من هذا كله شهادة الذات الالهية المقدسة على اعمال الانسان .
نعم : انها عرصات مرعبة مخيفة فيحاسب الانسان على كل شي وحتى عن الاعمال التي بمقدار حبة خـردل او مـثـقـال ذرة فـتبدو في صحف الاعمال حتى النيات وفي لحظة واحدة يتم حساب جميع الـخـلائق وتـظـلـل رايـة الحق والعدل جميع ارجا هذه المحكمة العظيمة , فيحضر فيها الصغير والـكـبـيـر حـتـى الانـبياوالمرسلون فتطوى جميع الخلافات وينهى كل جدل ويحق حق جميع مظلومي العالم ويرى الناس باعينهم الكثير من الحقائق التي ماكانوا يصدقون بها من قبل .
ان الايـمـان والاعـتقاد بهذه الحقائق له آثار تربوية عميقة في الانسان فتنقذه من الضياع والحيرة وتخمد الشهوات وتقضي على المفاسد وتصنع من هذا الانسان ـالمادي ـ ملاكا طاهر.
وفي الحقيقة ان الهدف من عرض هذه الايات هو نفس هدف القرآن الكريم في بنا الانسان وتزكيته .
2.
شهود يوم القيامة :

كـمـا قـرانـا في الايات السالفة الذكر ان شهدا تلك المحكمة كثيرون وعلى راسهم الذات الالهية المقدسة .
ثم الانبيا والمرسلون .
وبعدهم الملائكة المقربون .
وبعدهم اعضا وجوارح الانسان .
ثم الارض التي نعيش على ظهره.
اضافة الى ذلك فقد اشارت الروايات الاسلامية الى شهدا آخرين ومن جملتهم :
الاوصيا والائمة المعصومين :
نقرا حديثا ورد عن الامام الصادق (7) حول ذيل الاية 41 سورة النسا :(فكيف اذا جئنا من كل امة بشهيد وجئنا بك على هؤلا شهيدا) قال : نزلت في امة محمد (9) خاصة شاهد عليهم , ومحمد شاهدعلينا ((125)) .
مـن الـممكن ان يكون ذكر امة محمد (9) خاصة للتاكيد اي ان هذه الامة خاصة يوجد في كل قرن امام معصوم يشهد عليه.
وبنا على ذلك هذا لايتنافى مع شهادة الرسول الاعظم (9) على الانبيا السابقين .
والشاهد السابع من شهود المحشر كما تنقل بعض الروايات هو ((الزمان ))فقد ورد في رواية عن امـيـر المؤمنين علي (7) قال : مامن يوم يمر على ابن آدم الاقال له ذلك اليوم يابن آدم انا يوم جديد وانـا عـليك شهيد فقل في خيرا, او اعمل في خيرا اشهد لك به في يوم القيامة , فانك لن تراني بعده ابدا ((126)) .
ومن هنا يطرح هذا السؤال : لماذا كل هذه الشهود؟
الارض والزمان والملائكة والرسل وجوارح الانسان والاهم من هذا كله شهادة اللّه تبارك وتعالى الا تكفي شهادة اللّه وحدها ؟
نعم : انها كافية لانه (احسن الناظرين ) و (احكم الحاكمين ) (وعالم السروالخفيات ).
ولكن الهدف من كل هذه الشهادات هو تربية الانسان وتزكيته , فكلما كان عدد الشهود والمراقبين لـلانـسان اكثر زاد من تاثيرها التربوي على الانسان , من هنانرى ان اللّه سبحانه وتعالى زاد عدد الشهود وجعلهم يحيطون بالانسان ويقفون على اعماله بشكل تام .
بـلا شـك انـه يـكـفي للمؤمن الالتفات الى احد هؤلا الشهود ليكون مراقبالاعماله فكيف وكل هذه الشهود؟
ان عمل الشهود ليس له بعد تكليفي (اداري ) حتى نقول لماذا نصب هذاالعدد من الشهود لعمل واحد ؟ وانـمـا هـي سلسلة حقائق غيبية خارجية حيث ان اعمالنا تترك اثرا على اعضا جسمنا فجلودنا وجـوارحـنـا والـمـحيط الذي يحيط بناوالارض التي نمشي عليها والزمان الذي نعيش فيه كمثل الـشريط يحفظ ويسجل آثارعمرنا باكمله ان حضور الملائكة او شهادة الارواح الطاهرة للانبيا والاوصـيـا هـي احـدى الـحـقائق التي تنبع من قدرة ارواحهم وعظمتها, وان حضور اللّه تبارك وتعالى ايضا في كل مكان وكل زمان حقيقة غير قابلة للانكار.
لـقد تمكن العلما اليوم من خلال التجارب والبحوث التي اجروها على الطبقات الارضية والحيوانات الـمـطمورة بين طياتها والاثار الباقية من الانسان القديم من اكتشاف حقائق عن هذه الحيوانات فقد وقـفـوا عـلى كيفية معيشتها وطراز حياتهافي تلك العصور السحيقة وكتبوا عنها الكثير من الكتب والمقالات .
فـاذا تـمـكـن الانـسـان بعلمه المحدود ان يتكلم عن مثل تلك الحوادث ويكتشف الكثير من حقائق الـحـيوانات , والانسان القديم من خلال آثارها الباقية , في حين ان الدنيا دار الخفيات والاخرة دار الظهور ويوم البروز اذن فكيف ستكون القيامة ؟
من هنا عندما يتامل الانسان بدقة في هذه المسائل ويفكر في عمقهاوعظمتها حقا حقا انها تهزه ولعله يصرخ واغفلتاه اهكذا عملت مع كل هذه الشهود ؟ 3.
ماهو ميزان العمل ؟

يـقول المرحوم الشيخ المفيد (2) : (ليس الامر في معنى ذلك على ماذهب اليه اهل الحشو من ان في الـقـيـامـة مـوازيـن كموازين الدنيا لكل ميزان كفتان توضع الاعمال فيهما والخبر الوارد ان امير الـمـؤمـنـين والائمة من ذريته هم الموازين فالمرادانهم المعدلون بين الاعمال فيما يستحق عليها والـحـاكـمـون فيها بالواجب والعدل ) ((127)) ولكن بعض المفسرين ردوا هذا الكلام وقالوا ان الـمـيـزان فـي الاخـرة كـموازين الدنيا فنوضع الاعمال فيها , حيث تصبح الاعمال ذات وزن او توزن صحف الاعمال التي لها وزن .
ويـقـول الـبـعـض كالعلامة المجلسي (2) : (نحن نؤمن اجمالا بالميزان امافيما يتعلق بجزئياته وكيفيته فلا نقول شيئا من عندنا).
_______________
الشيخ وليدعبدالحميدالرمحى
0104700609

الموضوع الأصلي : نفحات القران فى يوم الحساب والميزان // المصدر : منتديات السهام الروحانية // الكاتب: وليدالرمحى

توقيع : وليدالرمحى

تغريدات بواسطة @waledelromhy