تفسير السورة (البقرة) - صفحة 3
منتديات السهام الاسلاميه
تفسير السورة   (البقرة) - صفحة 3 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا تفسير السورة   (البقرة) - صفحة 3 829894
ادارة المنتدي
منتديات السهام الاسلاميه

تفسير السورة   (البقرة) - صفحة 3 103798
منتديات السهام الاسلاميه
تفسير السورة   (البقرة) - صفحة 3 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا تفسير السورة   (البقرة) - صفحة 3 829894
ادارة المنتدي
منتديات السهام الاسلاميه

تفسير السورة   (البقرة) - صفحة 3 103798
EnglishFrenchGermanSpainItalianDutchRussianPortugueseJapaneseKorean



أهلا وسهلا بك إلى منتديات السهام الاسلاميه.
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمـــات، بالضغط هنا.كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.

الرئيسيةالبوابةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلاستماع القران الكريم  تفسير القران الكريم  خطب دينيه  دخولاختصار روابطالبرامج والاسطوانات  تسجيل

أنظم لمتآبعينا بتويتر ...

آو أنظم لمعجبينا في الفيس بوك ...
!~ آخـر 10 مواضيع ~!
شارك اصدقائك شارك اصدقائك أضف لمسة من الأناقة والحداثة لمنزلك مع شيش حصيرة
شارك اصدقائك شارك اصدقائك شيش حصيرة الإيطالي: فن الجمال والأناقة في تصميم النوافذ
شارك اصدقائك شارك اصدقائك أفضل مصانع قطاعات الالومنيوم في مصر تحليل شامل للشركات الرائدة في صناعة الألومنيوم.
شارك اصدقائك شارك اصدقائك أفضل مصانع الألومنيوم حول العالم: تصنيع متطور وجودة عالية
شارك اصدقائك شارك اصدقائك تحليل السوق العالمية لمنتجات الألمنيوم: فرص وتحديات.
شارك اصدقائك شارك اصدقائك دليل خطوة بخطوة لتركيب شيش حصيرة بشكل صحيح
شارك اصدقائك شارك اصدقائك تجربة فريدة: استكشاف معارض مطابخ كيتشن وورش العمل في المصنع
شارك اصدقائك شارك اصدقائك استفد من فوائد شيش حصيرة مع دليل تركيب مبسط.
شارك اصدقائك شارك اصدقائك تحميل برنامج تشغيل الفيديو QQ Player كيوكيو بلاير للويندوز
شارك اصدقائك شارك اصدقائك تحميل برنامج صانع شهادات التقدير للكمبيوتر مجاناً - Certificate Maker
شارك اصدقائك شارك اصدقائك نصائح مهمة لصيانة وإصلاح شيش حصيرة بشكل فعال.
شارك اصدقائك شارك اصدقائك افضل معرض غرف نوم كامله في مصر 2023
الأربعاء فبراير 21, 2024 1:18 pm
الأربعاء فبراير 14, 2024 4:08 pm
الإثنين يناير 08, 2024 2:38 pm
الثلاثاء ديسمبر 26, 2023 12:57 pm
الأحد ديسمبر 17, 2023 1:03 pm
الثلاثاء أكتوبر 31, 2023 3:35 pm
الإثنين أكتوبر 16, 2023 1:30 pm
الإثنين أكتوبر 09, 2023 1:44 pm
الثلاثاء سبتمبر 12, 2023 12:14 pm
الثلاثاء سبتمبر 12, 2023 12:04 pm
الثلاثاء سبتمبر 05, 2023 12:03 pm
الأربعاء أغسطس 02, 2023 10:36 pm
إضغط علي شارك اصدقائك اوشارك اصدقائك لمشاركة اصدقائك!


تفسير السورة   (البقرة) - صفحة 3 561574572تفسير السورة   (البقرة) - صفحة 3 701786203
اشتراك في مجموعة السهام الاسلاميه
البريد الإلكتروني:
زيارة هذه المجموعة


أنظم لمتآبعينا بتويتر ...

آو أنظم لمعجبينا في الفيس بوك ...
منتديات السهام الاسلاميه :: القران الكريم :: تفسيرالقران

صفحات الموضوعانتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3
شاطر

تفسير السورة   (البقرة) - صفحة 3 I_icon_minitimeالإثنين يناير 09, 2012 3:59 pm
المشاركة رقم: #1
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
مؤسس المنتدى
الرتبه:
مؤسس المنتدى
الصورة الرمزية

وليدالرمحى


البيانات
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 5756
تاريخ التسجيل : 05/07/2011
الموقع : https://alseham.yoo7.com

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://alseham.yoo7.com


مُساهمةموضوع: تفسير السورة (البقرة)



تفسير السورة (البقرة)


تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :

{الم (1) ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (2)}
بيان الأقوال الواردة في الحروف المقطعة التي في أوائل السور:
اختلف أهل التأويل في الحروف التي في أوائل السور، فقال عامر الشعبي وسفيان الثوري وجماعة من المحدثين: هي سر الله في القرآن، ولله في كل كتاب من كتبه سر. فهي من المتشابه الذي انفرد الله تعالى بعلمه، ولا يجب أن يتكلم فيها، ولكن نؤمن بها ونقرأ كما جاءت. وروي هذا القول عن أبي بكر الصديق وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما.
وذكر أبو الليث السمرقندي عن عمر وعثمان وابن مسعود أنهم قالوا: الحروف المقطعة من المكتوم الذي لا يفسر.
وقال أبو حاتم: لم نجد الحروف المقطعة في القرآن إلا في أوائل السور، ولا ندري ما أراد الله عز وجل بها.
قلت: ومن هذا المعنى ما ذكره أبو بكر الأنباري: حدثنا الحسن بن الحباب حدثنا أبو بكر بن أبي طالب حدثنا أبو المنذر الواسطي عن مالك بن مغول عن سعيد بن مسروق عن الربيع بن خثيم قال: إن الله تعالى أنزل هذا القرآن فاستأثر منه بعلم ما شاء، وأطلعكم على ما شاء، فأما ما أستأثر به لنفسه فلستم بنائليه فلا تسألوا عنه، وأما الذي أطلعكم عليه فهو الذي تسألون عنه وتخبرون به، وما بكل القرآن تعلمون، ولا بكل ما تعلمون تعملون. قال أبو بكر: فهذا يوضح أن حروفا من القرآن سترت معانيها عن جميع العالم، اختبارا من الله عز وجل وامتحانا، فمن آمن بها أثيب وسعد، ومن كفر وشك أثم وبعد. حدثنا أبو يوسف بن يعقوب القاضي حدثنا محمد بن أبي بكر حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن الأعمش عن عمارة عن حريث بن ظهير عن عبد الله قال: ما آمن مؤمن أفضل من إيمان بغيب، ثم قرأ: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة: 3].
قلت: هذا القول في المتشابه وحكمه، وهو الصحيح على ما يأتي بيانه في آل عمران إن شاء الله تعالى.
وقال جمع من العلماء كبير: بل يجب أن نتكلم فيها، ونلتمس الفوائد التي تحتها، والمعاني التي تتخرج عليها، واختلفوا في ذلك على أقوال عديدة، فروي عن ابن عباس وعلي أيضا: أن الحروف المقطعة في القرآن اسم الله الأعظم، إلا أنا لا نعرف تأليفه منها.
وقال قطرب والفراء وغيرهما: هي إشارة إلى حروف الهجاء أعلم الله بها العرب حين تحداهم بالقرآن أنه مؤتلف من حروف هي التي منها بناء كلامهم، ليكون عجزهم عنه أبلغ في الحجة عليهم إذ لم يخرج عن كلامهم. قال قطرب: كانوا ينفرون عند استماع القرآن، فلما سمعوا: {الم} و{المص} استنكروا هذا اللفظ، فلما أنصتوا له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقبل عليهم بالقرآن المؤتلف ليثبته في أسماعهم وآذانهم ويقيم الحجة عليهم.
وقال قوم: روي أن المشركين لما أعرضوا عن سماع القرآن بمكة وقالوا: {لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ} [فصلت: 26] نزلت ليستغربوها فيفتحون لها أسماعهم فيسمعون القرآن بعدها فتجب عليهم الحجة.
وقال جماعة: هي حروف دالة على أسماء أخذت منها وحذفت بقيتها، كقول ابن عباس وغيره: الألف من الله، واللام من جبريل، والميم من محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقيل: الألف مفتاح اسمه الله، واللام مفتاح اسمه لطيف، والميم مفتاح اسمه مجيد.
وروى أبو الضحى عن ابن عباس في قوله: {الم} قال: أنا الله أعلم، {الر} أنا الله أرى، {المص} أنا الله أفصل. فالألف تؤدي عن معنى أنا، واللام تؤدي عن اسم الله، والميم تؤدي عن معنى أعلم. واختار هذا القول الزجاج وقال: اذهب إلى أن كل حرف منها يؤدي عن معنى، وقد تكلمت العرب بالحروف المقطعة نظما لها ووضعا بدل الكلمات التي الحروف منها، كقوله:
فقلت لها قفي فقالت قاف ***
أراد: قالت وقفت.
وقال زهير:
بالخير خيرات وإن شرا فا *** ولا أريد الشر إلا أن تا
أراد: وإن شرا فشر. وأراد: إلا أن تشاء.
وقال آخر:
نادوهم ألا ألجموا ألا تا *** قالوا جميعا كلهم ألا فا
أراد: ألا تركبون، قالوا: ألا فاركبوا.
وفي الحديث: «من أعان على قتل مسلم بشطر كلمة» قال شقيق: هو أن يقول في أقتل: اق، كما قال عليه السلام: «كفى بالسيف شا» معناه: شافيا.
وقال زيد بن أسلم: هي أسماء للسور.
وقال الكلبي: هي أقسام أقسم الله تعالى بها لشرفها وفضلها، وهي من أسمائه، عن ابن عباس أيضا ورد بعض العلماء هذا القول فقال: لا يصح أن يكون قسما لان القسم معقود على حروف مثل: إن وقد ولقد وما، ولم يوجد هاهنا حرف من هذه الحروف، فلا يجوز أن يكون يمينا. والجواب أن يقال: موضع القسم قوله تعالى: {لا رَيْبَ فِيهِ} فلو أن إنسانا حلف فقال: والله هذا الكتاب لا ريب فيه، لكان الكلام سديدا، وتكون {لا} جواب القسم. فثبت أن قول الكلبي وما روي عن ابن عباس سديد صحيح. فإن قيل: ما الحكمة في القسم من الله تعالى، وكان القوم في ذلك الزمان على صنفين: مصدق، ومكذب، فالمصدق يصدق بغير قسم، والمكذب لا يصدق مع القسم؟. قيل له: القرآن نزل بلغة العرب، والعرب إذا أراد بعضهم أن يؤكد كلامه أقسم على كلامه، والله تعالى أراد أن يؤكد عليهم الحجة فأقسم أن القرآن من عنده.
وقال بعضهم: {الم} أي أنزلت عليك هذا الكتاب من اللوح المحفوظ.
وقال قتادة في قوله: {الم} قال اسم من أسماء القرآن. وروي عن محمد بن علي الترمذي أنه قال: إن الله تعالى أودع جميع ما في تلك السورة من الأحكام والقصص في الحروف التي ذكرها في أول السورة، ولا يعرف ذلك إلا نبي أو ولي، ثم بين ذلك في جميع السورة ليفقه الناس. وقيل غير هذا من الأقوال، فالله أعلم. والوقف على هذه الحروف على السكون لنقصانها إلا إذا أخبرت عنها أو عطفتها فإنك تعربها. واختلف: هل لها محل من الاعراب؟ فقيل: لا، لأنها ليست أسماء متمكنة، ولا أفعالا مضارعة، وإنما هي بمنزلة حروف التهجي فهي محكية. هذا مذهب الخليل وسيبويه.
ومن قال: إنها أسماء السور فموضعها عنده الرفع على أنها عنده خبر ابتداء مضمر، أي هذه {الم}، كما تقول: هذه سورة البقرة. أو تكون رفعا على الابتداء والخبر ذلك، كما تقول: زيد ذلك الرجل.
وقال ابن كيسان النحوي: {الم} في موضع نصب، كما تقول: اقرأ {الم} أو عليك {الم}.
وقيل: في موضع خفض بالقسم، لقول ابن عباس: إنها أقسام أقسم الله بها.
قوله تعالى: {ذلِكَ الْكِتابُ} قيل: المعنى هذا الكتاب. و{ذلِكَ} قد تستعمل في الإشارة إلى حاضر، وإن كان موضوعا للإشارة إلى غائب، كما قال تعالى في الاخبار عن نفسه جل وعز: {ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}، ومنه قول خفاف بن ندبة:
أقول له والرمح يأطر متنه *** تأمل خفافا إنني أنا ذلكا
أي أنا هذا. ف {ذلِكَ} إشارة إلى القرآن، موضوع موضع هذا، تلخيصه: الم هذا الكتاب لا ريب فيه. وهذا قول أبي عبيدة وعكرمة وغيرهما، ومنه قوله تعالى: {وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ}... {تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ} أي هذه، لكنها لما أنقضت صارت كأنها بعدت فقيل تلك.
وفي البخاري: وقال معمر: {ذلِكَ الْكِتابُ} هذا القرآن. {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} بيان ودلالة، كقوله: {ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ} هذا حكم الله.
قلت: وقد جاء هذا بمعنى ذلك، ومنه قوله عليه السلام في حديث أم حرام: «يركبون ثبج هذا البحر» أي ذلك البحر، والله أعلم.
وقيل: هو على بابه إشارة إلى غائب. واختلف في ذلك الغائب على أقوال عشرة، فقيل: {ذلِكَ الْكِتابُ} أي الكتاب الذي كتبت على الخلائق بالسعادة والشقاوة والأجل والرزق لا رَيْبَ فِيهِ، أي لا مبدل له.
وقيل: ذلِكَ الْكِتابُ، أي الذي كتبت على نفسي في الأزل: «أن رحمتي سبقت غضبي».
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لما قضى الله الخلق كتب في كتابه على نفسه فهو موضوع عنده أن رحمتي تغلب غضبي» في رواية: «سبقت».
وقيل:
إن الله تعالى قد كان وعد نبيه عليه السلام أن ينزل عليه كتابا لا يمحوه الماء، فأشار إلى ذلك الوعد كما في صحيح مسلم من حديث عياض بن حمار المجاشعي أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب وقال إنما بعثتك لابتليك وأبتلي بك وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء تقرؤه نائما ويقظان» الحديث.
وقيل: الإشارة إلى ما قد نزل من القرآن بمكة.
وقيل: إن الله تبارك وتعالى لما أنزل على نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} لم يزل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مستشرفا لإنجاز هذا الوعد من ربه عز وجل، فلما أنزل عليه بالمدينة: {الم. ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 1- 2] كان فيه معنى هذا القرآن الذي أنزلته عليك بالمدينة، ذلك الكتاب الذي وعدتك أن أوحيه إليك بمكة.
وقيل: إن {ذلِكَ} إشارة إلى ما في التوراة والإنجيل. و{الم} اسم للقرآن، والتقدير هذا القرآن ذلك الكتاب المفسر في التوراة والإنجيل، يعني أن التوراة والإنجيل يشهدان بصحته ويستغرق ما فيهما ويزيد عليهما ما ليس فيهما.
وقيل: إن {ذلِكَ الْكِتابُ} إشارة إلى التوراة والإنجيل كليهما، والمعنى: الم ذانك الكتابان أو مثل ذلك الكتابين، أي هذا القرآن جامع لما في ذينك الكتابين، فعبر ب {ذلِكَ} عن الاثنين بشاهد من القرآن، قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ} [البقرة: 68] أي عوان بين تينك: الفارض والبكر، وسيأتي.
وقيل: إن {ذلِكَ} إشارة إلى اللوح المحفوظ.
وقال الكسائي: {ذلِكَ} إشارة إلى القرآن الذي في السماء لم ينزل بعد.
وقيل: إن الله تعالى قد كان وعد أهل الكتاب أن ينزل على محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتابا، فالإشارة إلى ذلك الوعد. قال المبرد: المعنى هذا القرآن ذلك الكتاب الذي كنتم تستفتحون به على الذين كفروا.
وقيل: إلى حروف المعجم في قول من قال: {الم} الحروف التي تحديتكم بالنظم منها. والكتاب مصدر من كتب يكتب إذا جمع، ومنه قيل: كتيبة، لاجتماعها. وتكتبت الخيل صارت كتائب. وكتبت البغلة: إذا جمعت بين شفري رحمها بحلقة أو سير، قال:
لا تأمنن فزاريا حللت به *** على قلوصك واكتبها بأسيار
والكتبة بضم الكاف: الخرزة، والجمع كتب. والكتب: الخرز. قال ذو الرمة:
وفراء غرفية أثأى خوارزها *** مشلشل ضيعته بينها الكتب
والكتاب: هو خط الكاتب حروف المعجم مجموعة أو متفرقة، وسمي كتابا وإن كان مكتوبا، كما قال الشاعر:
تؤمل رجعة مني وفيها *** كتاب مثل ما لصق الغراء
والكتاب: الفرض والحكم والقدر، قال الجعدي:
يا ابنة عمي كتاب الله أخرجني *** عنكم وهل أمنعن الله ما فعلا
قوله تعالى: {لا رَيْبَ} نفي عام، ولذلك نصب الريب به.
وفي الريب ثلاثة معان: أحدها الشك، قال عبد الله بن الزبعري:
ليس في الحق يا أميمة ريب *** إنما الريب ما يقول الجهول
وثانيها التهمة، قال جميل:
بثينة قالت يا جميل أربتني *** فقلت كلانا يا بثين مريب
وثالثها: الحاجة، قال:
قضينا من تهامة كل ريب *** وخيبر ثم أجمعنا السيوفا
فكتاب الله تعالى لا شك فيه ولا ارتياب، والمعنى: أنه في ذاته حق وأنه منزل من عند الله، وصفه من صفاته، غير مخلوق ولا محدث، وإن وقع ريب للكفار.
وقيل: هو خبر ومعناه النهي، أي لا ترتابوا، وتم الكلام كأنه قال ذلك الكتاب حقا. وتقول: رابني هذا الامر إذا أدخل عليك شكا وخوفا. وأراب: صار ذا ريبة، فهو مريب. ورابني أمره. وريب الدهر: صروفه.
الكلام على هداية القرآن:
وفيه ست مسائل:
قوله تعالى: {فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} فيه ست مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {فِيهِ} الهاء في: {فِيهِ} في موضع خفض بفي، وفيه خمسة أوجه، أجودها: فيه هدى ويليه فيه هدى بضم الهاء بغير واو وهي قراءة الزهري وسلام أبي المنذر. ويليه فيهي هدى بإثبات الياء وهي قراءة ابن كثير. ويجوز فيهو هدى بالواو. ويجوز فيه هدى مدغما وارتفع {هُدىً} على الابتداء والخبر {فِيهِ}. والهدى في كلام العرب معناه الرشد والبيان، أي فيه كشف لأهل المعرفة ورشد وزيادة بيان وهدى.
الثانية: الهدى هديان: هدى دلالة، وهو الذي تقدر عليه الرسل وأتباعهم، قال الله تعالى: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ} [الرعد: 7]. وقال: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52] فأثبت لهم الهدى الذي معناه الدلالة والدعوة والتنبيه، وتفرد هو سبحانه بالهدى الذي معناه التأييد والتوفيق، فقال لنبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص: 56] فالهدى على هذا يجئ بمعنى خلق الايمان في القلب، ومنه قوله تعالى: {أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ} [البقرة: 5] وقوله: {وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ} [فاطر: 8] والهدى: الاهتداء، ومعناه راجع إلى معنى الإرشاد كيفما تصرفت. قال أبو المعالي: وقد ترد الهداية والمراد بها إرشاد المؤمنين إلى مسالك الجنان والطرق المفضية إليها، من ذلك قوله تعالى في صفة المجاهدين: {فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ} [محمد: 54] ومنه قوله تعالى: {فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ} [الصافات: 23] معناه فاسلكوهم إليها.
الثالثة: الهدى لفظ مؤنث قال الفراء: بعض بني أسد تؤنث الهدى فتقول: هذه هدى حسنة.
وقال اللحياني: هو مذكر، ولم يعرب لأنه مقصور والألف لا تتحرك، ويتعدى بحرف وبغير حرف وقد مضى في الفاتحة، تقول: هديته الطريق وإلى الطريق والدار وإلى الدار، أي عرفته. الأولى لغة أهل الحجاز، والثانية حكاها الأخفش.
وفي التنزيل: {اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ} و{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا} [الأعراف: 43] وقيل: إن الهدى اسم من أسماء النهار، لأن الناس يهتدون فيه لمعايشهم وجميع مأربهم، ومنه قول ابن مقبل:
حتى استبنت الهدى والبيد هاجمة *** يخشعن في الآل غلفا أو يصلينا
الرابعة: قوله تعالى: {لِلْمُتَّقِينَ} خص الله تعالى المتقين بهدايته وإن كان هدى للخلق أجمعين تشريفا لهم، لأنهم آمنوا وصدقوا بما فيه. وروي عن أبى روق أنه قال: {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} أي كرامة لهم، يعني إنما أضاف إليهم إجلالا لهم وكرامة لهم وبيانا لفضلهم. واصل {لِلْمُتَّقِينَ}: للموتقيين بياءين مخففتين، حذفت الكسرة من الياء الأولى لثقلها ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين وأبدلت الواو تاء على أصلهم في اجتماع الواو والتاء وأدغمت التاء في التاء فصار للمتقين.
الخامسة: التقوى يقال أصلها في اللغة قلة الكلام، حكاه ابن فارس.
قلت: ومنه الحديث: «التقي ملجم والمتقي فوق المؤمن والطائع» وهو الذي يتقي بصالح عمله وخالص دعائه عذاب الله تعالى، مأخوذ من اتقاء المكروه بما تجعله حاجزا بينك وبينه، كما قال النابغة:
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه *** فتناولته واتقتنا باليد
وقال آخر:
فألقت قناعا دونه الشمس واتقت *** بأحسن موصولين كف ومعصم
وخرج أبو محمد عبد الغني الحافظ من حديث سعيد بن زربي أبي عبيدة عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش عن ابن مسعود قال قال يوما لابن أخيه: يا بن أخي ترى الناس ما أكثرهم؟ قال: نعم، قال: لا خير فيهم إلا تائب أو تقي ثم قال: يا بن أخي ترى الناس ما أكثرهم؟ قلت: بلى، قال: لا خير فيهم إلا عالم أو متعلم.
وقال أبو يزيد البسطامي: المتقي من إذا قال قال لله، ومن إذا عمل عمل لله.
وقال أبو سليمان الداراني: المتقون الذين نزع الله عن قلوبهم حب الشهوات.
وقيل: المتقي الذي اتقى الشرك وبرئ من النفاق. قال ابن عطية: وهذا فاسد، لأنه قد يكون كذلك وهو فاسق. وسأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبيا عن التقوى، فقال: هل أخذت طريقا ذا شوك؟ قال: نعم، قال فما عملت فيه؟ قال: تشمرت وحذرت، قال: فذاك التقوى. وأخذ هذا المعنى ابن المعتز فنظمه:
خل الذنوب صغيرها *** وكبيرها ذاك التقى
واصنع كماش فوق أر *** ض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن صغيرة *** إن الجبال من الحصى
السادسة: التقوى فيها جماع الخير كله، وهي وصية الله في الأولين والآخرين، وهي خير ما يستفيده الإنسان، كما قال أبو الدرداء وقد قيل له: إن أصحابك يقولون الشعر وأنت ما حفظ عنك شي، فقال:
يريد المرء أن يؤتى مناه *** ويأبى الله إلا ما أرادا
يقول المرء فائدتي ومالي *** وتقوى الله أفضل ما استفادا
وروى ابن ماجه في سننه عن أبى أمامة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يقول: «ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خيرا له من زوجة صالحة إن أمرها أطاعته وإن نظر إليها سرته وإن أقسم عليها أبرته وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله». والأصل في التقوى: وقوى على وزن فعلى فقلبت الواو تاء من وقيته أقيه أي منعته، ورجل تقي أي خائف، أصله وقي، وكذلك تقاة كانت في الأصل وقاه، كما قالوا: تجاه وتراث، والأصل وجاه ووراث.

{الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (3)}
فيها ست وعشرون مسألة:
الأولى: قوله: {الَّذِينَ} في موضع خفض نعت {لِلْمُتَّقِينَ}، ويجوز الرفع على القطع أي هم الذين، ويجوز النصب على المدح. {يُؤْمِنُونَ} يصدقون. والايمان في اللغة: التصديق، وفي التنزيل: {وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا} أي بمصدق، ويتعدى بالباء واللام، كما قال: {وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ}... {فَما آمَنَ لِمُوسى}.
وروى حجاج بن حجاج الأحول ويلقب بزق العسل قال سمعت قتادة يقول: يا بن آدم، إن كنت لا تريد أن تأتي الخير إلا عن نشاط فإن نفسك مائلة إلى السآمة والفترة والملة، ولكن المؤمن هو المتحامل، والمؤمن هو المتقوي، والمؤمن هو المتشدد، وإن المؤمنين هم العجاجون إلى الله الليل والنهار، والله ما يزال المؤمن يقول: ربنا ربنا في السر والعلانية حتى استجاب لهم في السر والعلانية.
الثانية: قوله تعالى: {بِالْغَيْبِ} الغيب في كلام العرب كل ما غاب عنك، وهو من ذوات الياء، يقال منه: غابت الشمس تغيب، والغيبة معروفة. وأغابت المرأة فهي مغيبة إذا غاب عنها زوجها، ووقعنا في غيبة وغيابة، أي هبطه من الأرض، والغيابة: الأجمة، وهي جماع الشجر يغاب فيها، ويسمى المطمئن من الأرض: الغيب، لأنه غاب عن البصر.
الثالثة: واختلف المفسرون في تأويل الغيب هنا، فقالت فرقة: الغيب في هذه الآية: الله سبحانه. وضعفه ابن العربي.
وقال آخرون: القضاء والقدر.
وقال آخرون: القرآن وما فيه من الغيوب.
وقال آخرون: الغيب كل ما أخبر به الرسول عليه السلام مما لا تهتدي إليه العقول من أشراط الساعة وعذاب القبر والحشر والنشر والصراط والميزان والجنة والنار. قال ابن عطية: وهذه الأقوال لا تتعارض بل يقع الغيب على جميعها.
قلت: وهذا هو الايمان الشرعي المشار إليه في حديث جبريل عليه السلام حين قال للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فأخبرني عن الايمان. قال: «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره». قال: صدقت. وذكر الحديث.
وقال عبد الله بن مسعود: ما آمن مؤمن أفضل من إيمان بغيب، ثم قرأ: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة: 3].
قلت: وفي التنزيل: {وَما كُنَّا غائِبِينَ} وقال: {الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ}. فهو سبحانه غائب عن الأبصار، غير مرئي في هذه الدار، غير غائب بالنظر والاستدلال، فهم يؤمنون أن لهم ربا قادرا يجازي على الأعمال، فهم يخشونه في سرائرهم وخلواتهم التي يغيبون فيها عن الناس، لعلمهم باطلاعه عليهم، وعلى هذا تتفق الآي ولا تتعارض، والحمد لله.
وقيل: {بِالْغَيْبِ} أي بضمائرهم وقلوبهم بخلاف المنافقين، وهذا قول حسن.
وقال الشاعر:
وبالغيب آمنا وقد كان قومنا *** يصلون للأوثان قبل محمد
الرابعة: قوله تعالى: {وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ} معطوف جملة على جملة. وإقامة الصلاة أداؤها بأركانها وسننها وهيئاتها في أوقاتها، على ما يأتي بيانه. يقال: قام الشيء أي دام وثبت، وليس من القيام على الرجل، وإنما هو من قولك: قام الحق أي ظهر وثبت، قال الشاعر:
وقامت الحرب بنا على ساق ***
وقال آخر:
وإذا يقال أتيتم لم يبرحوا *** حتى تقيم الخيل سوق طعان
وقيل: {يُقِيمُونَ} يديمون، وأقامه أي أدامه، وإلى هذا المعنى أشار عمر بقوله: من حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع.
الخامسة: إقامة الصلاة معروفة، وهي سنة عند الجمهور، وأنه لا إعادة على تاركها. وعند الأوزاعي وعطاء ومجاهد وابن أبي ليلى هي واجبة وعلى من تركها الإعادة، وبه قال أهل الظاهر، وروى عن مالك، واختاره ابن العربي قال: لأن في حديث الأعرابي: «وأقم» فأمره بالإقامة كما أمره بالتكبير والاستقبال والوضوء. قال: فأما أنتم الآن وقد وقفتم على الحديث فقد تعين عليكم أن تقولوا بإحدى روايتي مالك الموافقة للحديث وهي أن الإقامة فرض. قال ابن عبد البر قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وتحريمها التكبير» دليل على أنه لم يدخل في الصلاة من لم يحرم، فما كان قبل الإحرام فحكمه ألا تعاد منه الصلاة إلا أن يجمعوا على شيء فيسلم للإجماع كالطهارة والقبلة والوقت ونحو ذلك.
وقال بعض علمائنا: من تركها عمدا أعاد الصلاة، وليس ذلك لوجوبها إذ لو كان ذلك لاستوى سهوها وعمدها، وإنما ذلك للاستخفاف بالسنن، والله أعلم.
السادسة: واختلف العلماء فيمن سمع الإقامة هل يسرع أولا؟ فذهب الأكثر إلى أنه لا يسرع وإن خاف فوت الركعة لقوله عليه السلام: «إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون وأتوها تمشون وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا». رواه أبو هريرة أخرجه مسلم. وعنه أيضا قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذا ثوب بالصلاة فلا يسع إليها أحدكم ولكن ليمشي وعليه السكينة والوقار صل ما أدركت واقض ما سبقك». وهذا نص. ومن جهة المعنى أنه إذا أسرع انبهر فشوش عليه دخوله في الصلاة وقراءتها وخشوعها. وذهب جماعة من السلف منهم ابن عمر وابن مسعود على اختلاف عنه أنه إذا خاف فواتها أسرع.
وقال إسحاق: يسرع إذا خاف فوات الركعة، وروي عن مالك نحوه، وقال: لا بأس لمن كان على فرس أن يحرك الفرس، وتأوله بعضهم على الفرق بين الماشي والراكب، لأن الراكب لا يكاد أن ينبهر كما ينبهر الماشي.
قلت: واستعمال سنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كل حال أولى، فيمشي كما جاء الحديث وعليه السكينة والوقار، لأنه في صلاة ومحال أن يكون خبره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على خلاف ما أخبره، فكما أن الداخل في الصلاة يلزم الوقار والسكون كذلك الماشي، حتى يحصل له التشبه به فيحصل له ثوابه. ومما يدل على صحة هذا ما ذكرناه من السنة، وما خرجه الدارمي في مسنده قال: حدثنا محمد بن يوسف قال حدثنا سفيان عن محمد بن عجلان عن المقبري عن كعب بن عجرة قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذا توضأت فعمدت إلى المسجد فلا تشبكن بين أصابعك فإنك في صلاة». فمنع صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الحديث وهو صحيح مما هو أقل من الإسراع وجعله كالمصلي، وهذه السنن تبين معنى قوله تعالى: {فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ} وأنه ليس المراد به الاشتداد على الاقدام، وإنما عني العمل والفعل، هكذا فسره مالك. وهو الصواب في ذلك والله أعلم.
السابعة: واختلف العلماء في تأويل قوله عليه السلام: «وما فاتكم فأتموا» وقوله: «واقض ما سبقك» هل هما بمعنى واحد أو لا؟ فقيل: هما بمعنى واحد وأن القضاء قد يطلق ويراد به التمام، قال الله تعالى: {فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ} وقال: {فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ}.
وقيل: معناهما مختلف وهو الصحيح، ويترتب على هذا الخلاف خلاف فيما يدركه الداخل هل هو أول صلاته أو أخرها؟ فذهب إلى الأول جماعة من أصحاب مالك منهم ابن القاسم ولكنه يقضي ما فاته بالحمد وسورة، فيكون بانيا في الافعال قاضيا في الأقوال. قال ابن عبد البر: وهو المشهور من المذهب.
وقال ابن خويز منداد: وهو الذي عليه أصحابنا، وهو قول الأوزاعي والشافعي ومحمد بن الحسن وأحمد بن حنبل والطبري وداود بن علي.
وروى أشهب وهو الذي ذكره ابن عبد الحكم عن مالك، ورواه عيسى عن ابن القاسم عن مالك، أن ما أدرك فهو آخر صلاته، وأنه يكون قاضيا في الافعال والأقوال، وهو قول الكوفيين. قال القاضي أبو محمد عبد الوهاب: وهو مشهور مذهب مالك. قال ابن عبد البر: من جعل ما أدرك أول صلاته فأظنهم راعوا الإحرام، لأنه لا يكون إلا في أول الصلاة، والتشهد والتسليم لا يكون إلا في أخرها، فمن هاهنا قالوا: إن ما أدرك فهو أول صلاته، مع ما ورد في ذلك من السنة من قوله: «فأتموا» والتمام هو الآخر. واحتج الآخرون بقوله: «فاقضوا» والذي يقضيه هو الفائت، إلا أن رواية من روى: «فَأَتِمُّوا» أكثر، وليس يستقيم على قول من قال: إن ما أدرك أول صلاته ويطرد، إلا ما قاله عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون والمزني وإسحاق وداود من أنه يقرأ مع الامام بالحمد وسورة إن أدرك ذلك معه، وإذا قام للقضاء قرأ بالحمد وحدها، فهؤلاء أطرد على أصلهم قولهم وفعلهم، رضي الله عنهم.
الثامنة: الإقامة تمنع من ابتداء صلاة نافلة، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة» خرجه مسلم وغيره، فأما إذا شرع في نافلة فلا يقطعها، لقوله تعالى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ} وخاصة إذا صلى ركعة منها.
وقيل: يقطعها لعموم الحديث في ذلك. والله أعلم.
التاسعة: واختلف العلماء فيمن دخل المسجد ولم يكن ركع ركعتي الفجر ثم أقيمت الصلاة، فقال مالك: يدخل مع الامام ولا يركعهما، وإن كان لم يدخل المسجد فإن لم يخف فوات ركعة فليركع خارج المسجد، ولا يركعهما في شيء من أفنية المسجد التي تصلي فيها الجمعة اللاصقة بالمسجد، وإن خاف أن تفوته الركعة الأولى فليدخل وليصل معه، ثم يصليهما إذا طلعت الشمس إن أحب، ولان يصليهما إذا طلعت الشمس أحب إلي وأفضل من تركهما وقال أبو حنيفة وأصحابه: إن خشي أن تفوته الركعتان ولا يدرك الامام قبل رفعه من الركوع في الثانية دخل معه، وإن رجا أن يدرك ركعة صلى ركعتي الفجر خارج المسجد، ثم يدخل مع الامام وكذلك قال الأوزاعي، إلا أنه يجوز ركوعهما في المسجد ما لم يخف فوت الركعة الأخيرة.
وقال الثوري: إن خشي فوت ركعة دخل معهم ولم يصلهما وإلا صلاهما وإن كان قد دخل المسجد.
وقال الحسن بن حي ويقال ابن حيان: إذا أخذ المقيم في الإقامة فلا تطوع إلا ركعتي الفجر.
وقال الشافعي: من دخل المسجد وقد أقيمت الصلاة دخل مع الامام ولم يركعهما لا خارج المسجد ولا في المسجد. وكذلك قال الطبري وبه قال أحمد بن حنبل وحكي عن مالك، وهو الصحيح في ذلك، لقوله عليه السلام. «إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة». وركعتا الفجر إما سنة، وإما فضيلة، وإما رغيبة، والحجة عند التنازع حجة السنة. ومن حجة قول مالك المشهور وأبي حنيفة ما روي عن ابن عمر أنه جاء والامام يصلي صلاة الصبح فصلاهما في حجرة حفصة، ثم إنه صلى مع الامام. ومن حجة الثوري والأوزاعي ما روي عن عبد الله بن مسعود أنه دخل المسجد. وقد أقيمت الصلاة فصلى إلى أسطوانة في المسجد ركعتي الفجر، ثم دخل الصلاة بمحضر من حذيفة وأبي موسى رضي الله عنهما. قالوا: وإذا جاز أن يشتغل بالنافلة عن المكتوبة خارج المسجد جاز له ذلك في المسجد.
روى مسلم عن عبد الله بن مالك ابن بحينة قال: أقيمت صلاة الصبح فرأى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلا يصلي والمؤذن يقيم، فقال: «اتصلي الصبح أربعا؟» وهذا إنكار منه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الرجل لصلاته ركعتي الفجر في المسجد والامام يصلي، ويمكن أن يستدل به أيضا على أن ركعتي الفجر إن وقعت في تلك الحال صحت، لأنه عليه السلام لم يقطع عليه صلاته مع تمكنه من ذلك، والله أعلم.
العاشرة: الصلاة أصلها في اللغة الدعاء، مأخوذة من صلى يصلي إذا دعا، ومنه قوله عليه السلام: «إذا دعى أحدكم إلى طعام فليجب فإن كان مفطرا فليطعم وإن كان صائما فليصل أي فليدع».
وقال بعض العلماء: إن المراد الصلاة المعروفة، فيصلي ركعتين وينصرف، والأول أشهر وعليه من العلماء الأكثر. ولما ولدت أسماء عبد الله بن الزبير أرسلته إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالت أسماء: ثم مسحه وصلي عليه، أي دعا له.
وقال تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} أي ادع لهم.
وقال الأعشى:
تقول بنتي وقد قربت مرتحلا *** يا رب جنب أبي الأوصاب والوجعا
عليك مثل الذي صليت فاغتمضي *** نوما فإن لجنب المرء مضطجعا
وقال الأعشى أيضا:
وقابلها الريح في دنها *** وصلى على دنها وارتسم
ارتسم الرجل: كبر ودعا، قاله في الصحاح.
وقال قوم: هي مأخوذة من الصلا وهو عرق في وسط الظهر ويفترق عند العجب فيكتنفه، ومنه أخذ المصلي في سبق الخيل، لأنه يأتي في الحلبة ورأسه عند صلوي السابق، فاشتقت الصلاة منه، إما لأنها جاءت ثانية للايمان فشبهت بالمصلي من الخيل، وإما لان الراكع تثنى صلواه. والصلاة: مغرز الذنب من الفرس، والاثنان صلوان. والمصلي: تالي السابق، لأن رأسه عند صلاه.
وقال علي رضي الله عنه: سبق رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصلي أبو بكر وثلث عمر.
وقيل: هي مأخوذة من اللزوم، ومنه صلي بالنار إذا لزمها، ومنه: {تَصْلى ناراً حامِيَةً} [الغاشية: 4].
وقال الحارث بن عباد:
لم أكن من جناتها علم اللَّـ *** ـه وإني بحرها اليوم صال
أي ملازم لحرها، وكان المعنى على هذا ملازمة العبادة على الحد الذي أمر الله تعالى به.
وقيل: هي مأخوذة من صليت العود بالنار إذا قومته ولينته بالصلاء. والصلاء: صلاء النار بكسر الصاد ممدود، فإن فتحت الصاد قصرت، فقلت صلا النار، فكأن المصلي يقوم نفسه بالمعاناة فيها ويلين ويخشع، قال الخارزنجي:
فلا تعجل بأمرك واستدمه *** فما صلى عصاك كمستديم
والصلاة: الدعاء والصلاة: الرحمة، ومنه: «اللهم صل على محمد» الحديث. والصلاة: العبادة، ومنه قوله تعالى: {وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ} [الأنفال: 35] الآية، أي عبادتهم. والصلاة: النافلة، ومنه قوله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ} [طه: 132]. والصلاة التسبيح، ومنه قوله تعالى: {فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} [الصافات: 143] أي من المصلين. ومنه سبحة الضحى. وقد قيل في تأويل: {نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ} [البقرة: 30] نصلي. والصلاة: القراءة، ومنه قوله تعالى: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ} [الإسراء: 110] فهي لفظ مشترك. والصلاة: بيت يصلي فيه، قاله ابن فارس. وقد قيل: إن الصلاة اسم علم وضع لهذه العبادة، فإن الله تعالى لم يخل زمانا من شرع، ولم يخل شرع من صلاة، حكاه أبو نصر القشيري.
قلت: فعلى هذا القول لا اشتقاق لها، وعلى قول الجمهور وهي:
الحادية عشرة: اختلف الأصوليون هل هي مبقاة على أصلها اللغوي الوضعي الابتدائي، وكذلك الايمان والزكاة والصيام والحج، والشرع إنما تصرف بالشروط والأحكام، أو هل تلك الزيادة من الشرع تصيرها موضوعة كالوضع الابتدائي من قبل الشرع. هنا اختلافهم والأول أصح، لأن الشريعة ثبتت بالعربية، والقرآن نزل بها بلسان عربي مبين، ولكن للعرب تحكم في الأسماء، كالدابة وضعت لكل ما يدب، ثم خصصها العرف بالبهائم فكذلك لعرف الشرع تحكم في الأسماء، والله أعلم.
الثانية عشرة: واختلف في المراد بالصلاة هنا، فقيل: الفرائض.
وقيل: الفرائض والنوافل معا، وهو الصحيح، لأن اللفظ عام والمتقي يأتي بهما.
الثالثة عشرة: الصلاة سبب للرزق، قال الله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ} [طه: 132] الآية، على ما يأتي بيانه في طه إن شاء الله تعالى. وشفاء من وجع البطن وغيره، روى ابن ماجه عن أبي هريرة قال: هجر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهجرت فصليت ثم جلست، فالتفت إلي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: «إشكمت درده قلت: نعم يا رسول الله، قال: قم فصل فإن في الصلاة شفاء». في رواية: «إشكمت درد» يعني تشتكي بطنك بالفارسية، وكان عليه الصلاة والسلام إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة.
الرابعة عشرة: الصلاة لا تصح إلا بشروط وفروض، فمن شروطها: الطهارة، وسيأتي بيان أحكامها في سورة النساء والمائدة. وستر العورة، يأتي في الأعراف القول فيها إن شاء الله تعالى. وأما فروضها: فاستقبال القبلة، والنية، وتكبيرة الإحرام والقيام لها، وقراءة أم القرآن والقيام لها، والركوع والطمأنينة فيه، ورفع الرأس من الركوع والاعتدال فيه، والسجود والطمأنينة فيه، ورفع الرأس من السجود، والجلوس بين السجدتين والطمأنينة فيه، والسجود الثاني والطمأنينة فيه. والأصل في هذه الجملة حديث أبي هريرة في الرجل الذي علمه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصلاة لما أخل بها، فقال له: «إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة ثم كبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تعتدل قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ثم افعل ذلك في صلاتك كلها» خرجه مسلم. ومثله حديث رفاعة بن رافع، أخرجه الدارقطني وغيره. قال علماؤنا: فبين قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أركان الصلاة، وسكت عن الإقامة ورفع اليدين وعن حد القراءة وعن تكبير الانتقالات، وعن التسبيح في الركوع والسجود، وعن الجلسة الوسطى، وعن التشهد وعن الجلسة الأخيرة وعن السلام. أما الإقامة وتعيين الفاتحة فقد مضى الكلام فيهما. وأما رفع اليدين فليس بواجب عند جماعة العلماء وعامة الفقهاء، لحديث أبي هريرة وحديث رفاعة بن رافع.
وقال داود وبعض أصحابه بوجوب ذلك عند تكبيرة الإحرام.
وقال بعض أصحابه: الرفع عند الإحرام وعند الركوع وعند الرفع من الركوع واجب، وإن من لم يرفع يديه فصلاته باطلة، وهو قول الحميدي، ورواية عن الأوزاعي. واحتجوا بقوله عليه السلام: «صلوا كما رأيتموني أصلي» أخرجه البخاري. قالوا: فوجب علينا أن نفعل كما رأيناه يفعل، لأنه المبلغ عن الله مراده. وأما التكبير ما عدا تكبيرة الإحرام فمسنون عند الجمهور للحديث المذكور. وكان ابن قاسم صاحب مالك يقول: من أسقط من التكبيرة في الصلاة ثلاث تكبيرات فما فوقها سجد للسهو قبل السلام، وإن لم يسجد بطلت صلاته، وإن نسي تكبيرة واحدة أو اثنتين سجد أيضا للسهو، فإن لم يفعل في شيء عليه، وروي عنه أن التكبيرة الواحدة لا سهو على من سها فيها. وهذا يدل على أن عظم التكبير وجملته عنده فرض، وأن اليسير منه متجاوز عنه.
وقال أصبغ بن الفرج وعبد الله بن عبد الحكم: ليس على من لم يكبر في الصلاة من أولها إلى آخرها شيء إذا كبر تكبيرة الإحرام، فإن تركه ساهيا سجد للسهو، فإن لم يسجد فلا شيء عليه، ولا ينبغي لاحد أن يترك التكبير عامدا، لأنه سنة من سنن الصلاة، فإن فعل فقد أساء ولا شيء عليه وصلاته ماضية.
قلت: هذا هو الصحيح، وهو الذي عليه جماعة فقهاء الأمصار من الشافعيين والكوفيين وجماعة أهل الحديث والمالكيين غير من ذهب مذهب ابن القاسم. وقد ترجم البخاري رحمه الله (باب إتمام التكبير في الركوع والسجود) وساق حديث مطرف بن عبد الله قال: صليت خلف علي بن أبي طالب أنا وعمران بن حصين، فكان إذا سجد كبر، وإذا رفع رأسه كبر، وإذا نهض من الركعتين كبر، فلما قضى الصلاة أخذ بيدي عمران بن حصين فقال: لقد ذكرني هذا صلاة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو قال: لقد صلى بنا صلاة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وحديث عكرمة قال: رأيت رجلا عند المقام يكبر في كل خفض ورفع، وإذا قام وإذا وضع، فأخبرت ابن عباس فقال: أو ليس تلك صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا أم لك! فدلك البخاري رحمه الله بهذا الباب على أن التكبير لم يكن معمولا به عندهم. روى أبو إسحاق السبيعي عن يزيد بن أبي مريم عن أبي موسى الأشعري قال: صلى بنا علي يوم الجمل صلاة اذكرنا بها صلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كان يكبر في كل خفض ورفع، وقيام وقعود، قال أبو موسى: فإما نسيناها وإما تركناها عمدا.
قلت: أتراهم أعادوا الصلاة! فكيف يقال من ترك التكبير بطلت صلاته! ولو كان ذلك لم يكن فرق بين السنة والفرض، والشيء إذا لم يجب أفراده لم يجب جميعه، وبالله التوفيق.
الخامسة عشرة: وأما التسبيح في الركوع والسجود فغير واجب عند الجمهور للحديث المذكور، وأوجبه إسحاق بن راهويه، وأن من تركه أعاد الصلاة، لقوله عليه السلام: «أما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم».
السادسة عشرة: وأما الجلوس والتشهد فاختلف العلماء في ذلك، فقال مالك وأصحابه: الجلوس الأول والتشهد له سنتان. وأوجب جماعة من العلماء الجلوس الأول وقالوا: هو مخصوص من بين سائر الفروض بأن ينوب عنه السجود كالعرايا من المزابنة، والقراض من الإجارات، وكالوقوف بعد الإحرام لمن وجد الامام راكعا. واحتجوا بأنه لو كان سنة ما كان العامد لتركه تبطل صلاته كما لا تبطل بترك سنن الصلاة. احتج من لم يوجبه بأن قال: لو كان من فرائض الصلاة لرجع الساهي عنه إليه حتى يأتي به، كما لو ترك سجدة أو ركعة، ويراعى فيه ما يراعى في الركوع والسجود من الولاء والرتبة، ثم يسجد لسهوه كما يصنع من ترك ركعة أو سجدة وأتى بهما.
وفي حديث عبد الله بن بحينة: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام من ركعتين ونسي أن يتشهد فسبح الناس خلفه كيما يجلس فثبت قائما فقاموا، فلما فرغ من صلاته سجد سجدتي السهو قبل التسليم، فلو كان الجلوس فرضا لم يسقطه النسيان والسهو، لأن الفرائض في الصلاة يستوي في تركها السهو والعمد إلا في المؤتم. واختلفوا في حكم الجلوس الأخير في الصلاة وما الغرض من ذلك. وهي:
السابعة عشرة على خمسة أقوال:
أحدها: أن الجلوس فرض والتشهيد فرض والسلام فرض. وممن قال ذلك الشافعي وأحمد بن حنبل في رواية، وحكاه أبو مصعب في مختصره عن مالك وأهل المدينة، وبه قال داود. قال الشافعي: من ترك التشهد الأول والصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا إعادة عليه وعليه سجدتا السهو لتركه. وإذا ترك التشهد الأخير ساهيا أو عامدا أعاد. واحتجوا بأن بيان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصلاة فرض، لأن أصل فرضها مجمل يفتقر إلى البيان إلا ما خرج بدليل وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صلوا كما رأيتموني أصلي». القول الثاني: أن الجلوس والتشهد والسلام ليس بواجب، وإنما ذلك كله سنة مسنونة، هذا قول بعض البصريين، وإليه ذهب إبراهيم بن علية، وصرح بقياس الجلسة الأخيرة على الأولى، فخالف الجمهور وشذ، إلا أنه يرى الإعادة على من ترك شيئا من ذلك كله. ومن حجتهم حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إذا رفع الامام رأسه من آخر سجدة في صلاته ثم أحدث فقد تمت صلاته» وهو حديث لا يصح على ما قاله أبو عمر، وقد بيناه في كتاب المقتبس. وهذا اللفظ إنما يسقط السلام لا الجلوس.
القول الثالث: إن الجلوس مقدار التشهد فرض، وليس التشهد ولا السلام بواجب فرضا. قاله أبو حنيفة وأصحابه وجماعة من الكوفيين. واحتجوا بحديث ابن المبارك عن الإفريقي عبد الرحمن بن زياد وهو ضعيف، وفيه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إذا جلس أحدكم في آخر صلاته فأحدث قبل أن يسلم فقد تمت صلاته». قال ابن العربي: وكان شيخنا فخر الإسلام ينشدنا في الدرس:
ويرى الخروج من الصلاة بضرطة *** أين الضراط من السلام عليكم
قال ابن العربي: وسلك بعض علمائنا من هذه المسألة فرعين ضعيفين، أما أحدهما: فروى عبد الملك عن عبد الملك أن من سلم من ركعتين متلاعبا، فخرج البيان أنه إن كان على أربع أنه يجزئه، وهذا مذهب أهل العراق بعينه. وأما الثاني: فوقع في الكتب المنبوذة أن الامام إذا أحدث بعد التشهد متعمدا وقيل السلام أنه يجزئ من خلفه، وهذا مما لا ينبغي أن يلتفت إليه في الفتوى، وإن عمرت به المجالس للذكرى. القول الرابع: إن الجلوس فرض والسلام فرض، وليس التشهد بواجب. وممن قال هذا مالك بن أنس وأصحابه وأحمد بن حنبل في رواية. واحتجوا بأن قالوا: ليس شيء من الذكر يجب إلا تكبيرة الإحرام وقراءة أم القرآن. القول الخامس: أن التشهد والجلوس واجبان، وليس السلام بواجب، قاله جماعة منهم إسحاق بن راهويه، واحتج إسحاق بحديث ابن مسعود حين علمه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التشهد وقال له: «إذا فرغت من هذا فقد تمت صلاتك وقضيت ما عليك». قال الدارقطني: قوله: «إذا فرغت من هذا فقد تمت صلاتك» أدرجه بعضهم عن زهير في الحديث، ووصله بكلام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفصله شبابة عن زهير وجعله من كلام ابن مسعود، وقوله أشبه بالصواب من قول من أدرجه في حديث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وشبابة ثقة. وقد تابعه غسان بن الربيع على ذلك، جعل آخر الحديث من كلام ابن مسعود ولم يرفعه إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الثامنة عشرة: واختلف العلماء في السلام، فقيل: واجب، وقيل: ليس بواجب. والصحيح وجوبه لحديث عائشة وحديث علي الصحيح خرجه أبو داود والترمذي ورواه سفيان الثوري عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن محمد بن الحنفية عن علي قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم» وهذا الحديث أصل في إيجاب التكبير والتسليم، وأنه لا يجزئ عنهما غيرهما كما لا يجزئ عن الطهارة غيرها باتفاق. قال عبد الرحمن بن مهدي: لو افتتح رجل صلاته بسبعين اسما من أسماء الله عز وجل ولم يكبر تكبيرة الإحرام لم يجزه، وإن أحدث قبل أن يسلم لم يجزه، وهذا تصحيح من عبد الرحمن بن مهدي لحديث علي، وهو إمام في علم الحديث ومعرفة صحيحه من سقيمه. وحسبك به! وقد اختلف العلماء في وجوب التكبير عند الافتتاح وهي:
التاسعة عشرة: فقال ابن شهاب الزهري وسعيد بن المسيب والأوزاعي وعبد الرحمن وطائفة: تكبيرة الإحرام ليست بواجبة. وقد روي عن مالك في المأموم ما يدل على هذا القول، والصحيح من مذهبه إيجاب تكبيرة الإحرام وأنها فرض وركن من أركان الصلاة، وهو الصواب وعليه الجمهور، وكل من خالف ذلك فمحجوج بالسنة.
الموفية عشرين: واختلف العلماء في اللفظ الذي يدخل به في الصلاة، فقال مالك وأصحابه وجمهور العلماء: لا يجزئ إلا التكبير، لا يجزئ منه تهليل ولا تسبيح ولا تعظيم ولا تحميد. هذا قول الحجازيين وأكثر العراقيين، ولا يجزئ عند مالك إلا الله أكبر لا غير ذلك. وكذلك قال الشافعي وزاد: ويجزئ الله الأكبر والله الكبير والحجة لمالك حديث عائشة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستفتح الصلاة بالتكبير، والقراءة ب {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ}. وحديث علي: وتحريمها التكبير. وحديث الاعرابي: فكبر.
وفي سنن ابن ماجه حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة وعلي بن محمد الطنافسي قالا: حدثنا أبو أسامة قال حدثني عبد الحميد بن جعفر قال حدثنا محمد بن عمرو بن عطاء قال سمعت أبا حميد الساعدي يقول: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قام إلى الصلاة استقبل القبلة ورفع يديه وقال: الله أكبر. وهذا نص صريح وحديث صحيح في تعيين لفظ التكبير، قال الشاعر:
رأيت الله أكبر كل شيء *** محاولة وأعظمه جنودا
ثم إنه يتضمن القدم، وليس يتضمنه كبير ولا عظيم، فكان أبلغ في المعنى، والله أعلم.
وقال أبو حنيفة: إن افتتح بلا إله إلا الله يجزيه، وإن قال: اللهم اغفر لي لم يجزه، وبه قال محمد بن الحسن.
وقال أبو يوسف: لا يجزئه إذا كان يحسن التكبير. وكان الحكم بن عتيبة يقول: إذا ذكر الله مكان التكبير أجزأه. قال ابن المنذر: ولا أعلمهم يختلفون أن من أحسن القراءة فهلل وكبر ولم يقرأ أن صلاته فاسدة، فمن كان هذا مذهبه فاللازم له أن يقول لا يجزيه مكان التكبير غيره، كما لا يجزئ مكان القراءة غيرها.
وقال أبو حنيفة: يجزئه التكبير بالفارسية وإن كان يحسن العربية. قال ابن المنذر: لا يجزيه لأنه خلاف ما عليه جماعات المسلمين، وخلاف ما علم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمته، ولا نعلم أحدا وافقه على ما قال. والله أعلم.
الحادية والعشرون: واتفقت الامة على وجوب النية عند تكبيرة الإحرام إلا شيئا روي عن بعض أصحابنا يأتي الكلام عليه في آية الطهارة، وحقيقتها قصد التقرب إلى الآمر بفعل ما أمر به على الوجه المطلوب منه. قال ابن العربي: والأصل في كل نية أن يكون عقدها مع التلبس بالفعل المنوي بها، أو قبل ذلك بشرط استصحابها، فإن تقدمت النية وطرأت غفلة فوقع التلبس بالعبادة في تلك الحالة لم يعتد بها، كما لا يعتد بالنية إذا وقعت بعد التلبس بالفعل، وقد رخص في تقديمها في الصوم لعظم الحرج في اقترانها بأوله. قال ابن العربي: وقال لنا أبو الحسن القروي بثغر عسقلان: سمعت إمام الحرمين يقول: يحضر الإنسان عند التلبس بالصلاة النية، ويجرد النظر في الصانع وحدوث العالم والنبوات حتى ينتهي نظره إلى نية الصلاة، قال: ولا يحتاج ذلك إلى زمان طويل، وإنما يكون ذلك في أوحى لحظة، لأن تعليم الجمل يفتقر إلى الزمان الطويل، وتذكارها يكون في لحظة، ومن تمام النية أن تكون مستصحبة على الصلاة كلها، إلا أن ذلك لما كان أمرا يتعذر عليه سمح الشرع في عزوب النية في أثنائها. سمعت شيخنا أبا بكر الفهري بال


الموضوع الأصلي : تفسير السورة (البقرة) // المصدر : منتديات السهام الروحانية // الكاتب: وليدالرمحى
توقيع : وليدالرمحى






تفسير السورة   (البقرة) - صفحة 3 I_icon_minitimeالإثنين يناير 09, 2012 7:32 pm
المشاركة رقم: #51
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
مؤسس المنتدى
الرتبه:
مؤسس المنتدى
الصورة الرمزية

وليدالرمحى


البيانات
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 5756
تاريخ التسجيل : 05/07/2011
الموقع : https://alseham.yoo7.com

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://alseham.yoo7.com


مُساهمةموضوع: رد: تفسير السورة (البقرة)



تفسير السورة (البقرة)



{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)}
فيه مسألة واحدة: روى عن ابن عباس وأبى ذر وأبى أمامة وأبى الدرداء وعبد الله بن بشر الغافقي والأوزاعي أنها نزلت في علف الخيل المربوطة في سبيل الله.
وذكر ابن سعد في الطبقات قال: أخبرت عن محمد بن شعيب بن شابور قال أنبأنا سعيد بن سنان عن يزيد بن عبد الله بن عريب عن أبيه عن جده عريب أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل عن قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} قال: «هم أصحاب الخيل». وبهذا الاسناد قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «المنفق على الخيل كباسط يده بالصدقة لا يقبضها وأبو إلها وأرواثها عند الله يوم القيامة كذكي المسك».
وروى عن ابن عباس أنه قال: نزلت في علي بن أبى طالب رضي الله عنه، كانت معه أربعة دراهم فتصدق بدرهم ليلا وبدرهم نهارا وبدرهم سرا وبدرهم جهرا، ذكره عبد الرزاق قال: أخبرنا عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس. ابن جريج: نزلت في رجل فعل ذلك، ولم يسم عليا ولا غيره.
وقال قتادة. هذه الآية نزلت في المنفقين من غير تبذير ولا تقتير. ومعنى: {بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ} في الليل والنهار، ودخلت الفاء في قوله تعالى: {فَلَهُمْ} لان في الكلام معنى الجزاء. وقد تقدم. ولا يجوز زيد فمنطلق.

{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (277) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ (279)}
الآيات الثلاث تضمنت أحكام الربا وجواز عقود المبايعات، والوعيد لمن استحل الربا وأصر على فعله. وفى ذلك ثمان وثلاثون مسألة: الأولى: قوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا} يأكلون يأخذون، فعبر عن الأخذ بالأكل، لأن الأخذ إنما يراد للأكل. والربا في اللغة الزيادة مطلقا، يقال: ربا الشيء يربو إذا زاد، ومنه الحديث: «فلا والله ما أخذنا من لقمة إلا ربا من تحتها» يعني الطعام الذي دعا فيه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالبركة، خرج الحديث مسلم رحمه الله. وقياس كتابته بالياء للكسرة في أوله، وقد كتبوه في القرآن بالواو. ثم إن الشرع قد تصرف في هذا الإطلاق فقصره على بعض موارده، فمرة أطلقه على كسب الحرام، كما قال الله تعالى في اليهود: {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ}. ولم يرد به الربا الشرعي الذي حكم بتحريمه علينا وإنما أراد المال الحرام، كما قال تعالى: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} يعني به المال الحرام من الرشا، وما استحلوه من أموال الأميين حيث قالوا: {لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ}. وعلى هذا فيدخل فيه النهى عن كل مال حرام بأى وجه اكتسب. والربا الذي عليه عرف الشرع شيئان: تحريم النساء، والتفاضل في العقود وفى المطعومات على ما نبينه. وغالبه ما كانت العرب تفعله، من قولها للغريم: أتقضى أم تربى؟ فكان الغريم يزيد في عدد المال ويصبر الطالب عليه. وهذا كله محرم باتفاق الامة.
الثانية: أكثر البيوع الممنوعة إنما تجد منعها لمعنى زيادة إما في عين مال، وإما في منفعة لأحدهما من تأخير ونحوه. ومن البيوع ما ليس فيه معنى الزيادة، كبيع الثمرة قبل بدو صلاحها، وكالبيع ساعة النداء يوم الجمعة، فإن قيل لفاعلها، آكل الربا فتجوز وتشبيه.
الثالثة: روى الأئمة واللفظ لمسلم عن أبى سعيد

{وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280)}
فيه تسع مسائل: الأول- قوله تعالى: {وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ} لما حكم عز وجل لأرباب الربا برءوس أموالهم عند الواجدين للمال، حكم في ذى العسرة بالنظرة إلى حال الميسرة، وذلك أن ثقيفا لما طلبوا أموالهم التي لهم على بنى المغيرة شكوا العسرة- يعني بنى المغيرة- وقالوا: ليس لنا شي، وطلبوا الأجل إلى وقت ثمارهم، فنزلت هذه الآية {وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ}.
الثانية: قوله تعالى: {وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ} مع قوله: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ} يدل على ثبوت المطالبة لصاحب الدين على المدين وجواز أخذ ماله بغير رضاه. ويدل على أن الغريم متى امتنع من أداء الدين مع الإمكان كان ظالما، فإن الله تعالى يقول: {فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ} فجعل له المطالبة برأس ماله. فإذا كان له حق المطالبة فعلى من عليه الدين لا محالة وجوب قضائه.
الثالثة: قال المهدوي وقال بعض العلماء: هذه الآية ناسخة لما كان في الجاهلية من بيع من أعسر.
وحكى مكي أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر به في صدر الإسلام. قال ابن عطية: فإن ثبت فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهو نسخ وإلا فليس بنسخ. قال الطحاوي: كان الحر يباع في الدين أول الإسلام إذا لم يكن له مال يقضيه عن نفسه حتى نسخ الله ذلك فقال عز وجل: {وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ}. واحتجوا بحديث رواه الدارقطني من حديث مسلم بن خالد الزنجي أخبرنا زيد بن أسلم عن ابن البيلماني عن سرق قال: كان لرجل على مال- أو قال دين- فذهب بى إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يصب لي مالا فباعني منه، أو باعني له. أخرجه البزار بهذا الاسناد أطول منه. ومسلم بن خالد الزنجي وعبد الرحمن بن البيلماني لا يحتج بهما.
وقال جماعة من أهل العلم: قوله تعالى: {فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ} عامة في جميع الناس، فكل من أعسر أنظر، وهذا قول أبى هريرة والحسن وعامة الفقهاء. قال النحاس: وأحسن ما قيل في هذه الآية قول عطاء والضحاك والربيع بن خيثم. قال: هي لكل معسر ينظر في الربا والدين كله. فهذا قول يجمع الأقوال، لأنه يجوز أن تكون ناسخة عامة نزلت في الربا ثم صار حكم غيره كحكمه. ولان القراءة بالرفع بمعنى وإن وقع ذو عسرة من الناس أجمعين. ولو كان في الربا خاصة لكان النصب الوجه، بمعنى وإن كان الذي عليه الربا ذا عسرة.
وقال ابن عباس وشريح: ذلك في الربا خاصة، فأما الديون وسائر المعاملات فليس فيها نظرة بل يؤدى إلى أهلها أو يحبس فيه حتى يوفيه، وهو قول إبراهيم. واحتجوا بقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها} الآية. قال ابن عطية: فكان هذا القول يترتب إذا لم يكن فقر مدقع، وأما مع العدم والفقر الصريح فالحكم هو النظرة ضرورة.
الرابعة: من كثرت ديونه وطلب غرماؤه مالهم فللحاكم أن يخلعه عن كل ماله ويترك له ما كان من ضرورته. روى ابن نافع عن مالك أنه لا يترك له إلا ما يواريه. والمشهور أنه يترك له كسوته المعتادة ما لم يكن فيها فضل، ولا ينزع منه رداؤه إن كان ذلك مزريا به. وفى ترك كسوة زوجته وفى بيع كتبه إن كان عالما خلاف. ولا يترك له مسكن ولا خادم ولا ثوب جمعة ما لم تقل قيمتها، وعند هذا يحرم حبسه. والأصل في هذا قوله تعالى: {وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ}. روى الأئمة واللفظ لمسلم عن أبى سعيد الخدري قال: أصيب رجل في عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ثمار ابتاعها فكثر دينه، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «تصدقوا عليه». فتصدق الناس عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دينه. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لغرمائه: «خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك». وفى مصنف أبى داود: فلم يزد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غرماءه على أن خلع لهم ماله. وهذا نص، فلم يأمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحبس الرجل، وهو معاذ بن جبل كما قال شريح، ولا بملازمته، خلافا لابي حنيفة فإنه قال: يلازم لإمكان أن يظهر له مال، ولا يكلف أن يكتسب لما ذكرنا. وبالله توفيقنا.
الخامسة: ويحبس المفلس في قول مالك والشافعي وأبى حنيفة وغيرهم حتى يتبين عدمه. ولا يحبس عند مالك إن لم يتهم أنه غيب ماله ولم يتبين لدده. وكذلك لا يحبس إن صح عسره على ما ذكرنا.
السادسة: فإن جمع مال المفلس ثم تلف قبل وصوله إلى أربابه وقبل البيع، فعلى المفلس ضمانه، ودين الغرماء ثابت في ذمته. فإن باع الحاكم ماله وقبض ثمنه ثم تلف الثمن قبل قبض الغرماء له، كان عليهم ضمانه وقد برئ المفلس منه.
وقال محمد بن عبد الحكم: ضمانه من المفلس أبدا حتى يصل إلى الغرماء.
السابعة: العسرة ضيق الحال من جهة عدم المال، ومنه جيش العسرة. والنظرة التأخير. والميسرة مصدر بمعنى اليسر. وارتفع {ذو} بكان التامة التي بمعنى وجد وحدث، هذا قول سيبويه وأبى على وغيرهما. وأنشد سيبويه: فدى لبنى ذهل بن شيبان ناقتي إذا كان يوم ذو كواكب أشهب ويجوز النصب. وفى مصحف أبى بن كعب {وإن كان ذا عسرة} على معنى وإن كان المطلوب ذا عسرة. وقرأ الأعمش {وإن كان معسرا فنظرة}. قال أبو عمرو الداني عن أحمد بن موسى: وكذلك في مصحف أبى بن كعب. قال النحاس ومكي والنقاش: وعلى هذا يختص لفظ الآية بأهل الربا، وعلى من قرأ {ذو} فهي عامة في جميع من عليه دين، وقد تقدم.
وحكى المهدوي أن في مصحف عثمان {فإن كان ذو عسرة}- بالفاء-.
وروى المعتمر عن حجاج الوراق قال: في مصحف عثمان {وإن كان ذا عسرة} ذكره النحاس. وقراءة الجماعة {نظرة} بكسر الظاء. وقرأ مجاهد وأبو رجاء والحسن {فنظرة} بسكون الظاء، وهى لغة تميمية وهم الذين يقولون: في كرم زيد بمعنى كرم زيد، ويقولون كبد في كبد. وقرأ نافع وحده {ميسرة} بضم السين، والجمهور بفتحها.
وحكى النحاس عن مجاهد وعطاء {فناظره} على الامر {إلى ميسرهي} بضم السين وكسر الراء وإثبات الياء في الإدراج. وقرئ {فناظرة} قال أبو حاتم لا يجوز فناظرة، إنما ذلك في النمل لأنها امرأة تكلمت بهذا لنفسها، من نظرت تنظر فهي ناظرة، وما في البقرة فمن التأخير، من قولك: أنظرتك بالدين، أي أخرتك به. ومنه قوله: {أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}. وأجاز ذلك أبو إسحاق الزجاج وقال: هي من أسماء المصادر، كقوله تعالى: {لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ}. وكقوله تعالى: {تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ} وك {خائِنَةَ الْأَعْيُنِ} وغيره.
الثامنة: قوله تعالى: {وَأَنْ تَصَدَّقُوا} ابتداء، وخبره {خَيْرٌ}. ندب الله تعالى بهذه الألفاظ إلى الصدقة على المعسر وجعل ذلك خيرا من إنظاره، قاله السدى وابن زيد والضحاك.
وقال الطبري: وقال آخرون: معنى الآية وأن تصدقوا على الغنى والفقير خير لكم. والصحيح الأول، وليس في الآية مدخل للغنى.
التاسعة: روى أبو جعفر الطحاوي عن بريدة بن الخصيب قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «من أنظر معسرا كان له بكل يوم صدقة» ثم قلت: بكل يوم مثله صدقة، قال فقال: «بكل يوم صدقة ما لم يحل الدين فإذا أنظره بعد الحل فله بكل يوم مثله صدقة».
وروى مسلم عن أبى مسعود قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «حوسب رجل ممن كان قبلكم فلم يوجد له من الخير شيء إلا أنه كان يخالط الناس وكان موسرا فكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر قال قال الله عز وجل نحن أحق بذلك منه تجاوزوا عنه».
وروى عن أبى قتادة أنه طلب غريما له فتوارى عنه ثم وجده فقال: إنى معسر. فقال: الله؟ قال: الله. قال: فإنى سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول: «من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه»، وفي حديث أبى اليسر الطويل- واسمه كعب بن عمروأنه سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول: «من أنظر معسرا أو وضع عنه أظله الله في ظله». ففي هذه الأحاديث من الترغيب ما هو منصوص فيها. وحديث أبى قتادة يدل على أن رب الدين إذا علم عسرة غريمه أو ظنها حرمت عليه مطالبته، وإن لم تثبت عسرته عند الحاكم. وإنظار المعسر تأخيره إلى أن يوسر. والوضع عنه إسقاط الدين عن ذمته. وقد جمع المعنيين أبو اليسر لغريمه حيث محا عنه الصحيفة وقال له: إن وجدت قضاء فاقض وإلا فأنت في حل.


{وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (281)}
قيل: إن هذه الآية نزلت قبل موت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتسع ليال ثم لم ينزل بعدها شي، قاله ابن جريج.
وقال ابن جبير ومقاتل: بسبع ليال.
وروى بثلاث ليال.
وروى أنها نزلت قبل موته بثلاث ساعات، وأنه عليه السلام قال: «اجعلوها بين آية الربا وآية الدين».
وحكى مكي أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: «جاءني جبريل فقال اجعلها على رأس مائتين وثمانين آية».
قلت: وحكى عن أبى بن كعب وابن عباس وقتادة أن آخر ما نزل: {لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} إلى آخر الآية. والقول الأول أعرف وأكثر وأصح وأشهر. ورواه أبو صالح عن ابن عباس قال: آخر ما نزل من القرآن {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} فقال جبريل للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «يا محمد ضعها على رأس ثمانين ومائتين من البقرة». ذكره أبو بكر الأنباري في كتاب الرد له، وهو قول ابن عمر رضي الله عنه أنها آخر ما نزل، وأنه عليه السلام عاش بعدها أحدا وعشرين يوما، على ما يأتي بيانه في آخر سورة إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ إن شاء تعالى. والآية وعظ لجميع الناس وأمر يخص كل إنسان. و{يَوْماً} منصوب على المفعول لا على الظرف. {تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} من نعته. وقرأ أبو عمرو بفتح التاء وكسر الجيم، مثل: {إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ} واعتبارا بقراءة أبى {يوما تصيرون فيه إلى الله}. والباقون بضم التاء وفتح الجيم، مثل: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ}. {وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي} واعتبارا بقراءة عبد الله {يوما تردون فيه إلى الله} وقرأ الحسن {يرجعون} بالياء، على معنى يرجع جميع الناس. قال ابن جنى: كأن الله تعالى رفق بالمؤمنين على أن يواجههم بذكر الرجعة، إذ هي مما ينفطر لها القلوب فقال لهم: {وَاتَّقُوا يَوْماً} ثم رجع في ذكر الرجعة إلى الغيبة رفقا بهم. وجمهور العلماء على أن هذا اليوم المحذر منه هو يوم القيامة والحساب والتوفية.
وقال قوم: هو يوم الموت. قال ابن عطية: والأول أصح بحكم الألفاظ في الآية. وفى قوله: {إِلَى اللَّهِ} مضاف محذوف، تقديره إلى حكم الله وفصل قضائه. {وَهُمْ} رد على معنى: {كُلُّ} لا على اللفظ، إلا على قراءة الحسن {يرجعون} فقوله: {وَهُمْ} رد على ضمير الجماعة في: {يرجعون}. وفى هذه الآية نص على أن الثواب والعقاب متعلق بكسب الأعمال، وهو رد على الجبرية، وقد تقدم.

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلاَّ تَرْتابُوا إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوها وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282)}
فيه اثنتان وخمسون مسألة: الأولى: قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ} الآية. قال سعيد بن المسيب: بلغني أن أحدث القرآن بالعرش آية الدين.
وقال ابن عباس: هذه الآية نزلت في السلم خاصة. معناه أن سلم أهل المدينة كان سبب الآية، ثم هي تتناول جميع المدائنات إجماعا.
وقال ابن خويز منداد: إنها تضمنت ثلاثين حكما. وقد استدل بها بعض علمائنا على جواز التأجيل في القروض، على ما قال مالك، إذ لم يفصل بين القرض وسائر العقود في المدائنات. وخالف في ذلك الشافعية وقالوا: الآية ليس فيها جواز التأجيل في سائر الديون، وإنما فيها الامر بالإشهاد إذا كان دينا مؤجلا، ثم يعلم بدلالة أخرى جواز التأجيل في الدين وامتناعه.
الثانية: قوله تعالى: {بِدَيْنٍ} تأكيد، مثل قوله: {وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ}. {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ}. وحقيقة الدين عبارة عن كل معاملة كان أحد العوضين فيها نقدا والآخر في الذمة نسيئة، فإن العين عند العرب ما كان حاضرا، والدين ما كان غائبا، قال الشاعر:
وعدتنا بدرهمينا طلاء *** وشواء معجلا غير دين
وقال آخر:
لترم بى المنايا حيث شاءت *** إذا لم ترم بى في الحفرتين
إذا ما أوقدوا حطبا ونارا *** فذاك الموت نقدا غير دين
وقد بين الله تعالى هذا المعنى بقوله الحق {إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى}.
الثالثة: قوله تعالى: {إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى} قال ابن المنذر: دل قول الله: {إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى} على أن السلم إلى الأجل المجهول غير جائز، ودلت سنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على مثل معنى كتاب الله تعالى. ثبت أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدم المدينة وهم يستلفون في الثمار السنتين والثلاث، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «من أسلف في تمر فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم» رواه ابن عباس. أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما.
وقال ابن عمر: كان أهل الجاهلية يتبايعون لحم الجزور إلى حبل الحبلة. وحبل الحبلة: أن تنتج الناقة ثم تحمل التي نتجت. فنهاهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك. وأجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن السلم الجائز أن يسلم الرجل إلى صاحبه في طعام معلوم موصوف، من طعام أرض عامة لا يخطئ مثلها. بكيل معلوم، إلى أجل معلوم بدنانير أو دراهم معلومة، يدفع ممن ما أسلم فيه قبل أن يفترقا من مقامهما الذي تبايعا فيه، وسميا المكان الذي يقبض فيه الطعام. فإذا فعلا ذلك وكان جائز الامر كان سلما صحيحا لا أعلم أحدا من أهل العلم يبطله.
قلت: وقال علماؤنا: إن السلم إلى الحصاد والجذاذ والنيروز والمهرجان جائز، إذ ذاك يختص بوقت وزمن معلوم.
الرابعة: حد علماؤنا رحمة الله عليهم السلم فقالوا: هو بيع معلوم في الذمة محصور بالصفة بعين حاضرة أو ما هو في حكمها إلى أجل معلوم. فتقييده بمعلوم في الذمة يفيد التحرز من المجهول، ومن السلم في الأعيان المعينة، مثل الذي كانوا يستلفون في المدينة حين قدم عليهم النبي عليه السلام فإنهم كانوا يستلفون في ثمار نخيل بأعيانها، فنهاهم عن ذلك لما فيه من الغرر، إذ قد تخلف تلك الأشجار فلا تثمر شيئا. وقولهم محصور بالصفة تحرز عن المعلوم على الجملة دون التفصيل، كما لو أسلم في تمر أو ثياب أو حيتان ولم يبين نوعها ولا صفتها المعينة. وقولهم بعين حاضرة تحرز من الدين بالدين. وقولهم أومأ هو في حكمها تحرز من اليومين والثلاثة التي يجوز تأخير رأس مال السلم إليه، فإنه يجوز تأخيره عندنا ذلك القدر، بشرط وبغير شرط لقرب ذلك، ولا يجوز اشتراطه عليها. ولم يجز الشافعي ولا الكوفي تأخير رأس مال السلم عن العقد والافتراق، ورأوا أنه كالصرف. ودليلنا أن البابين مختلفان بأخص أوصافهما، فإن الصرف بابه ضيق كثرت فيه الشروط بخلاف السلم فإن شوائب المعاملات عليه أكثر. والله أعلم. وقولهم إلى أجل معلوم تحرز من السلم الحال فإنه لا يجوز على المشهور وسيأتي. ووصف الأجل بالمعلوم تحرز من الأجل المجهول الذي كانوا في الجاهلية يسلمون إليه.
الخامسة: السلم والسلف عبارتان عن معنى واحد وقد جاءا في الحديث، غير أن الاسم الخاص بهذا الباب السلم لان السلف يقال على القرض. والسلم بيع من البيوع الجائزة بالاتفاق، مستثنى من نهيه عليه السلام عن بيع ما ليس عندك. وأرخص في السلم، لأن السلم لما كان بيع معلوم في الذمة كان بيع غائب تدعو إليه ضرورة كل واحد من المتابعين، فإن صاحب رأس المال محتاج إلى أن يشترى الثمرة، وصاحب الثمرة محتاج إلى ثمنها قبل إبانها لينفقه عليها، فظهر أن بيع السلم من المصالح الحاجية، وقد سماه الفقهاء بيع المحاويج، فإن جاز حالا بطلت هذه الحكمة وارتفعت هذه المصلحة، ولم يكن لاستثنائه من بيع ما ليس عندك فائدة. والله أعلم.
السادسة: في شروط السلم المتفق عليها والمختلف فيها وهى تسعة: ستة في المسلم فيه، وثلاثة في رأس مال السلم. أما الستة التي في المسلم فيه فأن يكون في الذمة، وأن يكون موصوفا، وأن يكون مقدرا، وأن يكون مؤجلا، وأن يكون الأجل معلوما، وأن يكون موجودا عند محل الأجل. وأما الثلاثة التي في رأس مال السلم فأن يكون معلوم الجنس، مقدرا، نقدا. وهذه الشروط الثلاثة التي في رأس المال متفق عليها إلا النقد حسب ما تقدم. قال ابن العربي: وأما الشرط الأول وهو أن يكون في الذمة فلا إشكال في أن المقصود منه كونه في الذمة، لأنه مدائنه، ولولا ذلك لم يشرع دينا ولا قصد الناس إليه ربحا ورفقا. وعلى ذلك القول اتفق الناس. بيد أن مالكا قال: لا يجوز السلم في المعين إلا بشرطين:
أحدهما أن يكون قرية مأمونة، والثاني أن يشرع في أخذه كاللبن من الشاة والرطب من النخلة، ولم يقل ذلك أحد سواه. وهاتان المسألتان صحيحتان في الدليل، لأن التعيين امتنع في السلم مخافة المزابنة والغرر، لئلا يتعذر عند المحل. وإذا كان الموضع مأمونا لا يتعذر وجود ما فيه في الغالب جاز ذلك، إذ لا يتيقن ضمان العواقب على القطع في مسائل الفقه، ولا بد من احتمال الغرر اليسير، وذلك كثير في مسائل الفروع، تعدادها في كتب المسائل. وأما السلم في اللبن والرطب مع الشروع في أخذه فهي مسألة مدنية اجتمع عليها أهل المدينة، وهى مبنية على قاعدة المصلحة، لأن المرء يحتاج إلى أخذ اللبن والرطب مياومة ويشق أن يأخذ كل يوم ابتداء، لأن النقد قد لا يحضره ولان السعر قد يختلف عليه، وصاحب النخل واللبن محتاج إلى النقد، لأن الذي عنده عروض لا يتصرف له. فلما اشتركا في الحاجة رخص لهما في هذه المعاملة قياسا على العرايا وغيرها من أصول الحاجات والمصالح. وأما الشرط الثاني وهو أن يكون موصوفا فمتفق عليه، وكذلك الشرط الثالث. والتقدير يكون من ثلاثة أوجه: الكيل، والوزن، والعدد، وذلك ينبني على العرف، وهو إما عرف الناس وإما عرف الشرع. وأما الشرط الرابع وهو أن يكون مؤجلا فاختلف فيه، فقال الشافعي: يجوز السلم الحال، ومنعه الأكثر من العلماء. قال ابن العربي: واضطربت المالكية في تقدير الأجل حتى ردوه إلى يوم، حتى قال بعض علمائنا: السلم الحال جائز. والصحيح أنه لا بد من الأجل فيه، لأن المبيع على ضربين: معجل وهو العين، ومؤجل. فإن كان حالا ولم يكن عند المسلم إليه فهو من باب: بيع ما ليس عندك، فلا بد من الأجل حتى يخلص كل عقد على صفته وعلى شروطه، وتتنزل الأحكام الشرعية منازلها. وتحديده عند علمائنا مدة تختلف الأسواق في مثلها. وقول الله تعالى: {إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى} وقوله عليه السلام: «إلى أجل معلوم» يغنى عن قول كل قائل. قلت- الذي أجازه علماؤنا من السلم الحال ما تختلف فيه البلدان من الأسعار، فيجوز السلم فيما كان بينه وبينه يوم أو يومان أو ثلاثة. فأما في البلد الواحد فلا، لأن سعره واحد، والله أعلم.
وأما الشرط الخامس وهو أن يكون الأجل معلوما فلا خلاف فيه بين الامة، لوصف الله تعالى ونبيه الأجل بذلك. وانفرد مالك دون الفقهاء بالأمصار بجواز البيع إلى الجذاذ والحصاد، لأنه رآه معلوما. وقد مضى القول في هذا عند قوله تعالى: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ}. وأما الشرط السادس وهو أن يكون موجودا عند المحل فلا خلاف فيه بين الامة أيضا، فإن انقطع المبيع عند محل الأجل بأمر من الله تعالى انفسخ العقد عند كافة العلماء.
السابعة: ليس من شرط السلم أن يكون المسلم إليه مالكا للمسلم فيه خلافا لبعض السلف، لما رواه البخاري عن محمد بن المجالد قال: بعثني عبد الله بن شداد وأبو بردة إلى عبد الله بن أبى أوفى فقالا: سله هل كان أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسلفون في الحنطة؟ فقال عبد الله: كنا نسلف نبيط أهل الشام في الحنطة والشعير والزيت في كيل معلوم إلى أجل معلوم.
قلت: إلى من كان أصله عنده؟ قال: ما كنا نسألهم عن ذلك. ثم بعثاني إلى عبد الرحمن بن أبزى فسألته فقال: كان أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسلفون على عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم نسألهم ألهم حرث أم لا؟. وشرط أبو حنيفة وجود المسلم فيه من حين العقد إلى حين الأجل، مخافة أن يطلب المسلم فيه فلا يوجد فيكون ذلك غررا، وخالفه سائر الفقهاء وقالوا: المراعى وجوده عند الأجل. وشرط الكوفيون والثوري أن يذكر موضع القبض فيما له حمل ومئونة وقالوا: السلم فاسد إذا لم يذكر موضع القبض.
وقال الأوزاعي: هو مكروه. وعندنا لو سكتوا عنه لم يفسد العقد، ويتعين موضع القبض، وبه قال أحمد وإسحاق وطائفة من أهل الحديث، لحديث ابن عباس فإنه ليس فيه ذكر المكان الذي يقبض فيه السلم، ولو كان من شروطه لبينه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما بين الكيل والوزن والأجل، ومثله ابن أبى أوفى.
الثامنة: روى أبو داود عن سعد يعنى الطائي عن عطية بن سعد عن أبى سعيد الخدري قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «من أسلف في شيء فلا يصرفه إلى غيره». قال أبو محمد عبد الحق بن عطية: هو العوفى ولا يحتج أحد بحديثه، وإن كان الأجلة قد رووا عنه. قال مالك: الامر عندنا فيمن أسلف في طعام بسعر معلوم إلى أجل مسمى فحل الأجل فلم يجد المبتاع عند البائع وفاء مما ابتاعه منه فأقاله، أنه لا ينبغي له أن يأخذ منه إلا ورقه أو ذهبه أو الثمن الذي دفع إليه بعينه، وأنه لا يشترى منه بذلك الثمن شيئا حتى يقبضه منه، وذلك أنه إذا أخذ غير الثمن الذي دفع إليه أو صرفه في سلعة غير الطعام الذي ابتاع منه فهو بيع الطعام قبل أن يستوفى. قال مالك: وقد نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بيع الطعام قبل أن يستوفى.
التاسعة: قوله تعالى: {فَاكْتُبُوهُ} يعني الدين والأجل. ويقال: أمر بالكتابة ولكن المراد الكتابة والاشهاد، لأن الكتابة بغير شهود لا تكون حجة. ويقال: أمرنا بالكتابة لكيلا ننسى.
وروى أبو داود الطيالسي في مسنده عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قول الله عز وجل: {إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} إلى آخر الآية: «إن أول من جحد آدم عليه السلام إن الله أراه ذريته فرأى رجلا أزهر ساطعا نوره فقال يا رب من هذا قال هذا ابنك داود قال يا رب فما عمره قال ستون سنة قال يا رب زده في عمره فقال لا إلا أن تزيده من عمرك قال وما عمرى قال ألف سنة قال آدم فقد وهبت له أربعين سنة قال فكتب الله عليه كتابا وأشهد عليه ملائكته فلما حضرته الوفاة جاءته الملائكة قال إنه بقي من عمرى أربعون سنة، قالوا إنك قد وهبتها لابنك داود قال ما وهبت لاحد شيئا فأخرج الله تعالى الكتاب وشهد عليه ملائكته- في رواية: وأتم لداود مائة سنة ولآدم عمره ألف سنة». خرجه الترمذي أيضا. وفى قوله: {فَاكْتُبُوهُ} إشارة ظاهرة إلى أنه يكتبه بجميع صفته المبينة له المعربة عنه، للاختلاف المتوهم بين المتعاملين، المعرفة للحاكم ما يحكم به عند ارتفاعهما إليه. والله أعلم.
العاشرة: ذهب بعض الناس إلى أن كتب الديون واجب على أربابها، فرض بهذه الآية، بيعا كان أو قرضا، لئلا يقع فيه نسيان أو جحود، وهو اختيار الطبري.
وقال ابن جريج: من ادان فليكتب، ومن باع فليشهد.
وقال الشعبي: كانوا يرون أن قوله: {فَإِنْ أَمِنَ} ناسخ لأمره بالكتب.
وحكى نحوه ابن جريج، وقاله ابن زيد، وروى عن أبى سعيد الخدري. وذهب الربيع إلى أن ذلك واجب بهذه الألفاظ، ثم خففه الله تعالى بقوله: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً}.
وقال الجمهور: الامر بالكتب ندب إلى حفظ الأموال وإزالة الريب، وإذا كان الغريم تقيا فما يضره الكتاب، وإن كان غير ذلك فالكتاب ثقاف في دينه وحاجة صاحب الحق. قال بعضهم: إن أشهدت فحزم، وإن ائتمنت ففي حل وسعة. ابن عطية: وهذا هو القول الصحيح. ولا يترتب نسخ في هذا، لأن الله تعالى ندب إلى الكتاب فيما للمرء أن يهبه ويتركه بإجماع، فندبه إنما هو على جهة الحيطة للناس.
الحادية عشرة: قوله تعالى: {وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ} قال عطاء وغيره: واجب على الكاتب أن يكتب، وقال الشعبي، وذلك إذا لم يوجد كاتب سواه فواجب عليه أن يكتب. السدى: واجب مع الفراغ. وحذفت اللام من الأول وأثبتت في الثاني، لأن الثاني غائب والأول للمخاطب. وقد ثبتت في المخاطب، ومنه قوله تعالى: {فلتفرحوا} بالتاء. وتحذف في الغائب، ومنه: محمد تفد نفسك كل نفس إذا ما خفت من شيء تبالا الثانية عشرة: قوله تعالى: {بِالْعَدْلِ} أي بالحق والمعدلة، أي لا يكتب لصاحب الحق أكثر مما قاله ولا أقل. وإنما قال: {بَيْنَكُمْ} ولم يقل أحدكم، لأنه لما كان الذي له الدين يتهم في الكتابة الذي عليه الدين وكذلك بالعكس شرع الله سبحانه كاتبا غيرهما يكتب بالعدل لا يكون في قلبه ولا قلمه موادة لأحدهما على الآخر.
وقيل: إن الناس لما كانوا يتعاملون حتى لا يشذ أحدهم عن المعاملة، وكان منهم من يكتب ومن لا يكتب، أمر الله سبحانه أن يكتب بينهم كاتب بالعدل.
الثالثة عشرة: الباء في قوله تعالى: {بِالْعَدْلِ} متعلقة بقوله: {وَلْيَكْتُبْ} وليست متعلقة ب {كاتِبٌ} لأنه كان يلزم ألا يكتب وثيقة إلا العدل في نفسه، وقد يكتبها الصبى والعبد والمتحوط إذا أقاموا فقهها. أما المنتصبون لكتبها فلا يجوز للولاة أن يتركوهم إلا عدولا مرضيين. قال مالك رحمه الله تعالى: لا يكتب الوثائق بين الناس إلا عارف بها عدل في نفسه مأمون، لقوله تعالى: {وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ}.
قلت: فالباء على هذا متعلقة ب {كاتِبٌ} أي ليكتب بينكم كاتب عدل، ف {بِالْعَدْلِ} في موضع الصفة.
الرابعة عشرة: قوله تعالى: {وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ} نهى الله الكاتب عن الإباء. واختلف الناس في وجوب الكتابة على الكاتب والشهادة على الشاهد، فقال الطبري والربيع: واجب على الكاتب إذا أمر أن يكتب.
وقال الحسن: ذلك واجب عليه في الموضع الذي لا يقدر على كاتب غيره، فيضر صاحب الدين إن امتنع، فإن كان كذلك فهو فريضة، وإن قدر على كاتب غيره فهو في سعة إذا قام به غيره. السدى: واجب عليه في حال فراغه، وقد تقدم.
وحكى المهدوي عن الربيع والضحاك أن قوله: {وَلا يَأْبَ} منسوخ بقوله: {وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ}.
قلت: هذا يتمشى على قول من رأى أو ظن أنه قد كان وجب في الأول على كل من اختاره المتبايعان أن يكتب، وكان لا يجوز له أن يمتنع حتى نسخه قوله تعالى: {وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} وهذا بعيد، فإنه لم يثبت وجوب ذلك على كل من أراده المتبايعان كائنا من كان. ولو كانت الكتابة واجبة ما صح الاستئجار بها، لأن الإجارة على فعل الفروض باطلة، ولم يختلف العلماء في جواز أخذ الأجرة على كتب الوثيقة. ابن العربي: والصحيح أنه أمر إرشاد فلا يكتب حتى يأخذه حقه. وأبى يأبى شاذ، ولم يجئ إلا قلى يقلى وأبى يأبى وغسى يغسى وجبى الخراج يجبى، وقد تقدم.
الخامسة عشرة: قوله تعالى: {كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ} الكاف في: {كَما} متعلقة بقوله: {أَنْ يَكْتُبَ} المعنى كتبا كما علمه الله. ويحتمل أن تكون متعلقة بما في قوله: {وَلا يَأْبَ} من المعنى، أي كما أنعم الله عليه بعلم الكتابة فلا يأب هو وليفضل كما أفضل الله عليه. ويحتمل أن يكون الكلام على هذا المعنى تاما عند قوله: {أَنْ يَكْتُبَ} ثم يكون {كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ} ابتداء كلام، وتكون الكاف متعلقة بقوله: {فَلْيَكْتُبْ}.
السادسة عشرة: قوله تعالى: {وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ} وهو المديون المطلوب يقر على نفسه بلسانه ليعلم ما عليه. والاملاء والإمل�

{وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283)}
فيه أربع وعشرون مسألة: لما ذكر الله تعالى الندب إلى الاشهاد والكتب لمصلحة حفظ الأموال والأديان، عقب ذلك بذكر حال الاعذار المانعة من الكتب، وجعل لها الرهن، ونص من أحوال العذر على السفر الذي هو غالب الاعذار، لا سيما في ذلك الوقت لكثرة الغزو، ويدخل في ذلك بالمعنى كل عذر. فرب وقت يتعذر فيه الكاتب في الحضر كأوقات أشغال الناس وبالليل، وأيضا فالخوف على خراب ذمة الغريم عذر يوجب طلب الرهن. وقد رهن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ درعه عند يهودي طلب منه سلف الشعير فقال: إنما يريد محمد أن يذهب بمالي. فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «كذب إنى لأمين في الأرض أمين في السماء ولو ائتمنني لأديت اذهبوا إليه بدرعي» فمات ودرعه مرهونة صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، على ما يأتي بيانه آنفا.
الثانية: قال جمهور من العلماء: الرهن في السفر بنص التنزيل، وفى الحضر ثابت بسنة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا صحيح. وقد بينا جوازه في الحضر من الآية بالمعنى، إذا قد تترتب الاعذار في الحضر، ولم يرو عن أحد منعه في الحضر سوى مجاهد والضحاك وداود، متمسكين بالآية. ولا حجة فيها، لأن هذا الكلام وإن كان خرج مخرج الشرط فالمراد به غالب الأحوال. وليس كون الرهن في الآية في السفر مما يحظر في غيره. وفى الصحيحين وغيرهما عن عائشة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشترى من يهودي طعاما إلى أجل ورهنه درعا له من حديد. وأخرجه النسائي من حديث ابن عباس قال: توفى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعا من شعير لأهله.
الثالثة: قوله تعالى: {وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً} قرأ الجمهور {كاتِباً} بمعنى رجل يكتب. وقرأ ابن عباس وأبى ومجاهد والضحاك وعكرمة وأبو العالية {ولم تجدوا كتابا}. قال أبو بكر الأنباري: فسره مجاهد فقال: معناه فإن لم تجدوا مدادا يعني في الاسفار.
وروى عن ابن عباس {كتابا}. قال النحاس: هذه القراءة شاذة والعامة على خلافها. وقلما يخرج شيء عن قراءة العامة إلا وفيه مطعن، ونسق الكلام على كاتب، قال الله عز وجل قبل هذا: {وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ} وكتاب يقتضى جماعة. قال ابن عطية: كتابا يحسن من حيث لكل نازلة كاتب، فقيل للجماعة: ولم تجدوا كتابا.
وحكى المهدوي عن أبى العالية أنه قرأ {كتبا} وهذا جمع كتاب من حيث النوازل مختلفة. وأما قراءة أبى وابن عباس {كتابا} فقال النحاس ومكي: وهو جمع كاتب كقائم وقيام. مكي: المعنى وإن عدمت الدواة والقلم والصحيفة. ونفى وجود الكاتب يكون بعدم أي آلة اتفق، ونفى الكاتب أيضا يقضى نفى الكتاب، فالقراءتان حسنتان إلا من جهة خط المصحف.
الرابعة: قوله تعالى: {فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ} وقرأ أبو عمرو وابن كثير {فرهن} بضم الراء والهاء، وروى عنهما تخفيف الهاء.
وقال الطبري: تأول قوم أن رهنا بضم الراء والهاء جمع رهان، فهو جمع جمع، وحكاه الزجاج عن الفراء.
وقال المهدوي: {فَرِهانٌ} ابتداء والخبر محذوف. والمعنى فرهان مقبوضة يكفى من ذلك. قال النحاس: وقرأ عاصم بن أبى النجود {فرهن} بإسكان الهاء، ويروى عن أهل مكة. والباب في هذا رهان، كما يقال: بغل وبغال، وكبش وكباش، ورهن سبيله أن يكون جمع رهان، مثل كتاب وكتب.
وقيل: هو جمع رهن، مثل سقف وسقف، وحلق وحلق، وفرش وفرش، ونشر ونشر، وشبهه. ورهن بإسكان الهاء سبيله أن تكون الضمة حذفت لثقلها.
وقيل: هو جمع رهن، مثل سهم حشر أي دقيق، وسهام حشر. والأول أولى، لأن الأول ليس بنعت وهذا نعت.
وقال أبو على الفارسي: وتكسير رهن على أقل العدد لم أعلمه جاء، فلو جاء كان قياسه أفعلا ككلب وأكلب، وكأنهم استغنوا بالقليل عن الكثير، كما استغنى ببناء الكثير عن بناء القليل في قولهم: ثلاثة شسوع، وقد استغنى ببناء القليل عن الكثير في رسن وأرسان، فرهن يجمع على بناءين وهما فعل وفعال. الأخفش: فعل على قبيح وهو قليل شاذ، قال: وقد يكون رهن جمعا للرهان، كأنه يجمع رهن على رهان، ثم يجمع رهان على رهن، مثل فراش وفرش.
الخامسة: معنى الرهن: احتباس العين وثيقة بالحق ليستوفي الحق من ثمنها أو من ثمن منافعها عند تعذر أخذه من الغريم، وهكذا حده العلماء، وهو في كلام العرب بمعنى الدوام والاستمرار.
وقال ابن سيده: ورهنه أي أدامه، ومن رهن بمعنى دام قول الشاعر:
الخبز واللحم لهم راهن *** وقهوة راووقها ساكب
قال الجوهري: ورهن الشيء رهنا أي دام. وأرهنت له لهم الطعام والشراب أدمته لهم، وهو طعام راهن. والراهن: الثابت، والراهن: المهزول من الإبل والناس، قال:
إما ترى جسمي خلا قد رهن *** هزلا وما مجد الرجال في السمن
قال ابن عطية: ويقال في معنى الرهن الذي هو الوثيقة من الرهن: أرهنت إرهانا، حكاه بعضهم.
وقال أبو على: أرهنت في المغالاة، وأما في القرض والبيع فرهنت.
وقال أبو زيد: أرهنت في السلعة إرهانا: غاليت بها، وهو في الغلاء خاصة. قال:
عيدية أرهنت فيها الدنانير ***
يصف ناقة. والعيد بطن من مهرة وابل مهرة موصوفة بالنجابة.
وقال الزجاج: يقال في الرهن: رهنت وأرهنت، وقال ابن الأعرابي والأخفش. قال عبد الله بن همام السلولي:
فلما خشيت أظافيرهم *** نجوت وأرهنتهم مالكا
قال ثعلب: الرواة كلهم على أرهنتهم، على أنه يجوز رهنته وأرهنته، إلا الأصمعي فإنه رواه وأرهنهم، على أنه عطف بفعل مستقبل على فعل ماض، وشبهه بقولهم: قمت وأصك وجهه، وهو مذهب حسن، لأن الواو واو الحال، فجعل أصك حالا للفعل الأول على معنى قمت صاكا وجهه، أي تركته مقيما عندهم، لأنه لا يقال: أرهنت الشيء، وإنما يقال: رهنته. وتقول: رهنت لساني بكذا، ولا يقال فيه: أرهنت.
وقال ابن السكيت: أرهنت فيها بمعنى أسلفت. والمرتهن: الذي يأخذ الرهن. والشيء مرهون ورهين، والأنثى رهينة. وراهنت فلانا على كذا مراهنة: خاطرته. وأرهنت به ولدي إرهانا: أخطرتهم به خطرا. والرهينة واحدة الرهائن، كله عن الجوهري. ابن عطية: ويقال بلا خلاف في البيع والقرض: رهنت رهنا، ثم سمى بهذا المصدر الشيء المدفوع تقول: رهنت رهنا، كما تقول رهنت ثوبا.
السادسة: قال أبو على: ولما كان الرهن بمعنى الثبوت، والدوام فمن ثم بطل الرهن عند الفقهاء إذا خرج من يد المرتهن إلى الراهن بوجه من الوجوه، لأنه فارق ما جعل باختيار المرتهن له. قلت- هذا هو المعتمد عندنا في أن الرهن متى رجع إلى الراهن باختيار المرتهن بطل الرهن، وقاله أبو حنيفة، غير أنه قال: إن رجع بعارية أو وديعة لم يبطل.
وقال الشافعي: إن رجوعه إلى يد الراهن مطلقا لا يبطل حكم القبض المتقدم، ودليلنا {فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ}، فإذا خرج عن يد القابض لم يصدق ذلك اللفظ عليه لغة، فلا يصدق عليه حكما، وهذا واضح.
السابعة: إذا رهنه قولا ولم يقبضه فعلا لم يوجب ذلك، حكما، لقوله تعالى: {فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ} قال الشافعي: لم يجعل الله الحكم إلا برهن موصوف بالقبض، فإذا عدمت الصفة وجب أن يعدم الحكم، وهذا ظاهر جدا. وقالت المالكية: يلزم الرهن بالعقد ويجبر الراهن على دفع الرهن ليحوزه المرتهن، لقوله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} وهذا عقد، وقوله: {بِالْعَهْدِ} وهذا عهد. وقوله عليه السلام: «المؤمنون عند شروطهم» وهذا شرط، فالقبض عندنا شرط في كمال فائدته. وعندهما شرط في لزومه وصحته.
الثامنة: قوله تعالى: {مَقْبُوضَةٌ} يقتضى بينونة المرتهن بالرهن. وأجمع الناس على صحة قبض المرتهن، وكذلك على قبض وكيله. واختلفوا في قبض عدل يوضع الرهن على يديه، فقال مالك وجميع أصحابه وجمهور العلماء: قبض العدل قبض.
وقال ابن أبى ليلى وقتادة والحكم وعطاء: ليس بقبض، ولا يكون مقبوضا إلا إذا كان عند المرتهن، ورأوا ذلك تعبدا. وقول الجمهور أصح من جهة المعنى، لأنه إذا صار عند العدل صار مقبوضا لغة وحقيقة، لأن العدل نائب عن صاحب الحق وبمنزلة الوكيل، وهذا ظاهر.
التاسعة: ولو وضع الرهن على يدي عدل فضاع لم يضمن المرتهن ولا الموضوع على يده، لأن المرتهن لم يكن في يده شيء يضمنه. والموضوع على يده أمين والأمين غير ضامن.
العاشرة: لما قال تعالى: {مَقْبُوضَةٌ} قال علماؤنا: فيه ما يقتضى بظاهره ومطلقه جواز رهن المشاع. خلافا لابي حنيفة وأصحابه، لا يجوز عندهم أن يرهنه ثلث دار ولا نصفا من عبد ولا سيف، ثم قالوا: إذا كان لرجلين على رجل مال هما فيه شريكان فرهنهما بذلك أرضا فهو جائز إذا قبضاها. قال ابن المنذر: وهذا إجازة رهن المشاع، لأن كل واحد منهما مرتهن نصف دار. قال ابن المنذر: رهن المشاع جائز كما يجوز بيعه.
الحادية عشرة: ورهن ما في الذمة جائز عند علمائنا، لأنه مقبوض خلافا لمن منع ذلك، ومثاله رجلان تعاملا لأحدهما على الآخر دين فرهنه دينه الذي عليه. قال ابن خويز منداد: وكل عرض جاز بيعه جاز رهنه، ولهذه العلة جوزنا رهن ما في الذمة، لأن بيعه جائز، ولأنه مال تقع الوثيقة به فجاز أن يكون رهنا، قياسا على سلعة موجودة.
وقال من منع ذلك: لأنه لا يتحقق إقباضه والقبض شرط في لزوم الرهن، لأنه لا بد أن يستوفى الحق منه عند المحل، ويكون الاستيفاء من ماليته لا من عينه ولا يتصور ذلك في الدين.
الثانية عشرة: روى البخاري عن أبى هريرة قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونا وعلى الذي يركب ويشرب النفقة». وأخرجه أبو داود وقال بدل يشرب في الموضعين: يحلب. قال الخطابي: هذا كلام مبهم ليس في نفس اللفظ بيان من يركب ويحلب، هل الراهن أو المرتهن أو العدل الموضوع على يده الرهن؟.
قلت: قد جاء ذلك مبينا مفسرا في حديثين، وبسببهما اختلف العلماء في ذلك، فروى الدارقطني من حديث أبى هريرة ذكر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: «إذا كانت الدابة مرهونة فعلى المرتهن علفها ولبن الدر يشرب وعلى الذي يشرب نفقته». أخرجه عن أحمد بن علي بن العلاء حدثنا زياد بن أيوب حدثنا هشيم حدثنا زكريا عن الشعبي عن أبى هريرة. وهو قول أحمد وإسحاق: أن المرتهن ينتفع من الرهن بالحلب والركوب بقدر النفقة.
وقال أبو ثور: إذا كان الراهن ينفق عليه لم ينتفع به المرتهن. وإن كان الراهن لا ينفق عليه وتركه في يد المرتهن فأنفق عليه فله ركوبه واستخدام العبد.
وقال الأوزاعي والليث. الحديث الثاني خرجه الدارقطني أيضا، وفى إسناده مقال ويأتي بيانه- من حديث إسماعيل بن عياش عن ابن أبى ذئب عن الزهري عن المقبري عن أبى هريرة قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «لا يغلق الرهن ولصاحبه غنمه وعليه غرمه». وهو قول الشافعي والشعبي وابن سيرين. وهو قول مالك وأصحابه. قال الشافعي: منفعة الرهن للراهن، ونفقته عليه، والمرتهن لا ينتفع بشيء من الرهن خلا الاحفاظ للوثيقة. قال الخطابي: وهو أولى الأقوال وأصحها، بدليل قوله عليه السلام: «لا يغلق الرهن من صاحبه الذي ر


الموضوع الأصلي : تفسير السورة (البقرة) // المصدر : منتديات السهام الروحانية // الكاتب: وليدالرمحى
توقيع : وليدالرمحى






تفسير السورة   (البقرة) - صفحة 3 I_icon_minitimeالإثنين يناير 09, 2012 7:36 pm
المشاركة رقم: #52
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
مؤسس المنتدى
الرتبه:
مؤسس المنتدى
الصورة الرمزية

وليدالرمحى


البيانات
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 5756
تاريخ التسجيل : 05/07/2011
الموقع : https://alseham.yoo7.com

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://alseham.yoo7.com


مُساهمةموضوع: رد: تفسير السورة (البقرة)



تفسير السورة (البقرة)



{لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284)}
قوله تعالى: {لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ} تقدم معناه.
قوله تعالى: {وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} فيه مسألتان: الأولى: اختلف الناس في معنى قوله تعالى: {وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} على أقوال خمسة: الأول- أنها منسوخة، قاله ابن عباس وابن مسعود وعائشة وأبو هريرة والشعبي وعطاء ومحمد بن سيرين ومحمد بن كعب وموسى بن عبيدة وجماعة من الصحابة والتابعين، وأنه بقي هذا التكليف حولا حتى أنزل الله الفرج بقوله: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها}. وهو قول ابن مسعود وعائشة وعطاء ومحمد بن سيرين ومحمد بن كعب وغيرهم وفى صحيح مسلم عن ابن عباس قال: لما نزلت {وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} قال: دخل قلوبهم منها شيء لم يدخل قلوبهم من شي، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «قولوا سمعنا وأطعنا وسلمنا» قال: فألقى الله الايمان في قلوبهم فأنزل الله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا} قال: «قد فعلت» {ربنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا} قال: «قد فعلت» {رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ} قال: «قد فعلت».
في رواية فلما فعلوا ذلك نسخها الله ثم أنزل تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها} وسيأتي.
الثاني- قال ابن عباس وعكرمة والشعبي ومجاهد: إنها محكمة مخصوصة، وهى في معنى الشهادة التي نهى عن كتمها، ثم أعلم في هذه الآية أن الكاتم لها المخفي ما في نفسه محاسب.
الثالث- أن الآية فيما يطرأ على النفوس من الشك واليقين، وقال مجاهد أيضا.
الرابع- أنها محكمة عامة غير منسوخة، والله محاسب خلقه على ما عملوا من عمل وعلى ما لم يعملوه مما ثبت في نفوسهم وأضمروه ونووه وأرادوه، فيغفر للمؤمنين ويأخذ به أهل الكفر والنفاق، ذكره الطبري عن قوم، وأدخل عن ابن عباس ما يشبه هذا. روى عن علي بن أبى طلحة عن ابن عباس أنه قال: لم تنسخ، ولكن إذا جمع الله الخلائق يقول: إنى أخبركم بما أكننتم في أنفسكم فأما المؤمنون فيخبرهم ثم يغفر لهم، وأما أهل الشك والريب فيخبرهم بما أخفوه من التكذيب، فذلك قوله: {يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ} وهو قوله عز وجل: {وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} من الشك والنفاق.
وقال الضحاك: يعلمه الله يوم القيامة بما كان يسره ليعلم أنه لم يخف عليه. وفي الخبر: «إن الله تعالى يقول يوم القيامة هذا يوم تبلى فيه السرائر وتخرج الضمائر وأن كتابي لم يكتبوا إلا ما ظهر من أعمالكم وأنا المطلع على ما لم يطلعوا عليه ولم يخبروه ولا كتبوه فأنا أخبركم بذلك وأحاسبكم عليه فأغفر لمن أشاء وأعذب من أشاء» فيغفر للمؤمنين ويعذب الكافرين، وهذا أصح ما في الباب، يدل عليه حديث النجوى على ما يأتي بيانه، لا يقال: فقد ثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن الله تجاوز لامتي عما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا أو يعملوا به». فإنا نقول: ذلك محمول على أحكام الدنيا، مثل الطلاق والعتاق والبيع التي لا يلزمه حكمها ما لم يتكلم به، والذي ذكر في الآية فيما يؤاخذ العبد به بينه وبين الله تعالى في الآخرة.
وقال الحسن: الآية محكمة ليست بمنسوخة. قال الطبري: وقال آخرون نحو هذا المعنى الذي ذكر عن ابن عباس، إلا أنهم قالوا: إن العذاب الذي يكون جزاء لما خطر في النفوس وصحبه الفكر إنما هو بمصائب الدنيا وآلامها وسائر مكارهها. ثم أسند عن عائشة نحو هذا المعنى، وهو القول الخامس: ورجح الطبري أن الآية محكمة غير منسوخة: قال ابن عطية: وهذا هو الصواب، وذلك أن قوله تعالى: {وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ} معناه مما هو في وسعكم وتحت كسبكم، وذلك استصحاب المعتقد والفكر، فلما كان اللفظ مما يمكن أن تدخل فيه الخواطر أشفق الصحابة والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبين الله لهم ما أراد بالآية الأخرى، وخصصها ونص على حكمه أنه لا يكلف نفسا إلا وسعها، والخواطر ليست هي ولا دفعها في الوسع، بل هي أمر غالب وليست مما يكتسب، فكان في هذا البيان فرجهم وكشف كربهم، وباقى الآية محكمة لا نسخ فيها: ومما يدفع أمر النسخ أن الآية خبر والاخبار لا يدخلها النسخ، فإن ذهب ذاهب إلى تقدير النسخ فإنما يترتب له في الحكم الذي لحق الصحابة حين فزعوا من الآية، وذلك أن قول النبي صلى الله عليه وسلم لهم: «قولوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا» يجئ منه الامر بأن يثبتوا على هذا ويلتزموه وينتظروا لطف الله في الغفران. فإذا قرر هذا الحكم فصحيح وقوع النسخ فيه، وتشبه الآية حينئذ قوله تعالى: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} فهذا لفظه الخبر ولكن معناه التزموا هذا وأثبتوا عليه واصبروا بحسبه، ثم نسخ بعد ذلك. وأجمع الناس فيما علمت على أن هذه الآية في الجهاد منسوخة بصبر المائة للمائتين. قال ابن عطية: وهذه الآية في البقرة أشبه شيء بها.
وقيل: في الكلام إضمار وتقييد، تقديره يحاسبكم به الله إن شاء، وعلى هذا فلا نسخ.
وقال النحاس: ومن أحسن ما قيل في الآية وأشبه بالظاهر قول ابن عباس: إنها عامة، ثم أدخل حديث ابن عمر في النجوى، أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما، واللفظ لمسلم قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «يدنى المؤمن يوم القيامة من ربه عز وجل حتى يضع عليه كنفه فيقرره بذنوبه فيقول هل تعرف فيقول أي رب أعرف قال فإنى قد سترتها عليك في الدنيا وإني أغفرها لك اليوم فيعطى صحيفة حسناته وأما الكفار والمنافقون فينادى بهم على رءوس الخلائق هؤلاء الذين كذبوا على الله». وقد قيل: إنها نزلت في الذين يتولون الكافرين من المؤمنين، أي وإن تعلنوا ما في أنفسكم أيها المؤمنون من ولاية الكفار أو تسروها يحاسبكم به الله، قاله الواقدي ومقاتل. واستدلوا بقوله تعالى في آل عمران: {قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ}- من ولاية الكفار- {يَعْلَمْهُ اللَّهُ} يدل عليه ما قبله من قوله: {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ}.
قلت: وهذا فيه بعد، لأن سياق الآية لا يقتضيه، وإنما ذلك بين في آل عمران والله أعلم. وقد قال سفيان بن عيينة: بلغني أن الأنبياء عليهم السلام كانوا يأتون قومهم بهذه الآية {لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ}.
قوله تعالى: {فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ} قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي {فيغفر}، {ويعذب} بالجزم عطف على الجواب. وقرأ ابن عامر وعاصم بالرفع فيهما على القطع، أي فهو يغفر ويعذب.
وروى عن ابن عباس والأعرج وأبى العالية وعاصم الجحدري بالنصب فيهما على إضمار أن. وحقيقته أنه عطف على المعنى، كما في قوله تعالى: {فَيُضاعِفَهُ لَهُ} وقد تقدم. والعطف على اللفظ أجود للمشاكلة، كما قال الشاعر:
ومتى مائع منك كلاما *** يتكلم فيجبك بعقل
قال النحاس: وروى عن طلحة بن مصرف {يحاسبكم به الله يغفر} بغير فاء على البدل. ابن عطية: وبها قرأ الجعفي وخلاد.
وروى أنها كذلك في مصحف ابن مسعود. قال ابن جنى: هي على البدل من {يُحاسِبْكُمْ} وهي تفسير المحاسبة، وهذا كقول الشاعر:
رويدا بنى شيبان بعض وعيدكم *** تلاقوا غدا خيلي على سفوان
تلاقوا جيادا لا تحيد عن الوغى *** إذا ما غدت في المأزق المتداني
فهذا على البدل. وكرر الشاعر الفعل، لأن الفائدة فيما يليه من القول. قال النحاس: وأجود من الجزم لو كان بلا فاء الرفع، يكون في موضع الحال، كما قال الشاعر:
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره *** تجد خير نار عندها خير موقد

{آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (286)}
فيه إحدى عشرة مسألة: الأولى: قوله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ} روى عن الحسن ومجاهد والضحاك: أن هذه الآية كانت في قصة المعراج، وهكذا روى في بعض الروايات عن ابن عباس، وقال بعضهم: جميع القرآن نزل به جبريل عليه السلام على محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا هذه الآية فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هو الذي سمع ليلة المعراج، وقال بعضهم: لم يكن ذلك في قصة المعراج، لأن ليلة المعراج كانت بمكة وهذه السورة كلها مدنية، فأما من قال: إنها كانت ليلة المعراج قال: لما صعد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبلغ في السموات في مكان مرتفع ومعه جبريل حتى جاوز سدرة المنتهى فقال له جبريل: إنى لم أجاوز هذا الموضع ولم يؤمر بالمجاوزة أحد هذا الموضع غيرك فجاوز النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى بلغ الموضع الذي شاء الله، فأشار إليه جبريل بأن سلم على ربك، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: التحيات لله والصلوات والطيبات. قال الله تعالى: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، فأراد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يكون لامته حظ في السلام فقال: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فقال جبريل واهل السموات كلهم: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبد هـ ورسوله. قال الله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ} على معنى الشكر أي صدق الرسول {بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ} فأراد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يشارك أمته في الكرامة والفضيلة فقال: {وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} يعني يقولون آمنا بجميع الرسل ولا نكفر بأحد منهم ولا نفرق بينهم كما فرقت اليهود والنصارى، فقال له ربه كيف قبولهم بآي الذي أنزلتها؟ وهو قوله: {إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ} فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} يعني المرجع. فقال الله تعالى عند ذلك {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها} يعني طاقتها ويقال: إلا دون طاقتها. {لَها ما كَسَبَتْ} من الخير {وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ} من الشر، فقال جبريل عند ذلك: سل تعطه، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «{رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا} يعني إن جهلنا {أَوْ أَخْطَأْنا} يعني إن تعمدنا»، ويقال: إن عملنا بالنسيان والخطأ. فقال له جبريل: قد أعطيت ذلك قد رفع عن أمتك الخطأ والنسيان. فسل شيئا آخر فقال: {رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً} يعني ثقلا {كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا} وهو أنه حرم عليهم الطيبات بظلمهم، وكانوا إذا أذنبوا بالليل وجدوا ذلك مكتوبا على بابهم، وكانت الصلوات عليهم خمسين، فخفف الله عن هذه الامة وحط عنهم بعد ما فرض خمسين صلاة. ثم قال: {رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ} يقول: لا تثقلنا من العمل ما لا نطيق فتعذبنا، ويقال: ما تشق علينا، لأنهم لو أمروا بخمسين صلاة لكانوا يطيقون ذلك ولكنه يشق عليهم ولا يطيقون الإدامة عليه {وَاعْفُ عَنَّا} من ذلك كله {وَاغْفِرْ لَنا} وتجاوز عنا، ويقال: {وَاعْفُ عَنَّا} من المسخ {وَاغْفِرْ لَنا} من الخسف {وَارْحَمْنا} من القذف، لأن الأمم الماضية بعضهم أصابهم المسخ وبعضهم أصابهم الخسف وبعضهم القذف ثم قال: {أَنْتَ مَوْلانا} يعني ولينا وحافظنا {فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ} فاستجيبت دعوته.
وروى عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «نصرت بالرعب مسيرة شهر» ويقال إن الغزاة: إذا خرجوا من ديارهم بالنية الخالصة وضربوا بالطبل وقع الرعب والهيبة في قلوب الكفار مسيرة شهر في شهر، علموا بخروجهم أو لم يعلموا، ثم إن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما رجع أوحى الله هذه الآيات، ليعلم أمته بذلك. ولهذه الآية تفسير آخر، قال الزجاج: لما ذكر الله تعالى في هذه السورة فرض الصلاة والزكاة وبين أحكام الحج وحكم الحيض والطلاق والإيلاء وأقاصيص الأنبياء وبين حكم الربا، ذكر تعظيمه سبحانه بقوله سبحانه وتعالى: {لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ} ثم ذكر تصديق نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم ذكر تصديق المؤمنين بجميع ذلك فقال: {آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ} أي صدق الرسول بجميع هذه الأشياء التي جرى ذكرها وكذلك المؤمنون كلهم صدقوا بالله وملائكته وكتبه ورسله.
وقيل سبب نزولها الآية التي قبلها وهى: {لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} فإنه لما أنزل هذا على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأتوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم بركوا على الركب فقالوا: أي رسول الله، كلفنا من. الأعمال ما نطيق: الصلاة والصيام والجهاد والصدقة، وقد أنزل الله عليك هذه الآية ولا نطيقها. قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم سَمِعْنا وَعَصَيْنا بل قولوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ فقالوا: سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ. فلما اقترأها القوم ذلت بها ألسنتهم فأنزل الله في إثرها: {آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}. فلما فعلوا ذلك نسخها الله، فأنزل الله عز وجل: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ} {رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا} قال: نعم {رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا} قال: نعم {رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ} قال: نعم {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ} قال: نعم». أخرجه مسلم عن أبى هريرة. قال علماؤنا: قوله في الرواية الأولى: «قد فعلت» وهنا قال: «نعم» دليل على نقل الحديث بالمعنى، وقد تقدم. ولما تقرر الامر على أن قالوا: سمعنا وأطعنا، مدحهم الله وأثنى عليهم في هذه الآية، ورفع المشقة في أمر الخواطر عنهم، وهذه ثمرة الطاعة والانقطاع إلى الله تعالى، كما جرى لبنى إسرائيل ضد ذلك من ذمهم وتحميلهم المشقات من الذلة والمسكنة والانجلاء إذ قالوا: سمعنا وعصينا، وهذه ثمرة العصيان والتمرد على الله تعالى، أعاذنا الله من نقمه بمنه وكرمه. وفي الحديث أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قيل له: إن بيت ثابت بن قيس بن شماس يزهر كل ليلة بمصابيح. قال: فلعله يقرأ سورة البقرة فسئل ثابت قال: قرأت من سورة البقر {آمَنَ الرَّسُولُ} نزلت حين شق على أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما توعدهم الله تعالى به من محاسبتهم على ما أخفته نفوسهم، فشكوا ذلك إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: فلعلكم تقولون سَمِعْنا وَعَصَيْنا كما قالت بنو إسرائيل قالوا: بل سَمِعْنا وَأَطَعْنا، فأنزل الله تعالى ثناء عليهم: {آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ} فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «وحق لهم أن يؤمنوا».
الثانية: قوله تعالى: {آمَنَ} أي صدق، وقد تقدم. والذي أنزل هو القرآن. وقرأ ابن مسعود {وآمن المؤمنون كل آمن بالله} على اللفظ، ويجوز في غير القرآن {آمنوا} على المعنى. وقرأ نافع وابن كثير وعاصم في رواية أبى بكر وابن عامر {وَكُتُبِهِ} على الجمع. وقرءوا في التحريم كتابه، على التوحيد. وقرأ أبو عمرو هنا وفى التحريم {وَكُتُبِهِ} على الجمع. وقرأ حمزة والكسائي {وكتابه} على التوحيد فيهما. فمن جمع أراد جمع كتاب، ومن أفرد أراد المصدر الذي يجمع كل مكتوب كان نزوله من عند الله. ويجوز في قراءة من وحد أن يراد به الجمع، يكون الكتاب اسما للجنس فتستوي القراءتان، قال الله تعالى: {فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ}. قرأت الجماعة {وَرُسُلِهِ} بضم السين، وكذلك {أَرْسَلْنا ورُسُلُكُمْ ورُسُلِكَ}، إلا أبا عمرو فروى عنه تخفيف {رسلنا ورسلكم}، وروى عنه في: {رسلك} التثقيل والتخفيف. قال أبو على: من قرأ {رسلك} بالتثقيل فذلك أصل الكلمة، ومن خفف فكما يخفف في الآحاد، مثل عنق وطنب. وإذا خفف في الآحاد فذلك أحرى في الجمع الذي هو أثقل، وقال معناه مكي. وقرأ جمهور الناس {لا نُفَرِّقُ} بالنون، والمعنى يقولون لا نفرق، فحذف القول، وحذف القول كثير، قال الله تعالى: {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ. سَلامٌ عَلَيْكُمْ} أي يقولون سلام عليكم. وقال: {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا} أي يقولون ربنا، وما كان مثله. وقرأ سعيد بن جبير ويحيى بن يعمر وأبو زرعة بن عمرو بن جرير ويعقوب {لا يفرق} بالياء، وهذا على لفظ كل. قال هارون: وهى في حرف ابن مسعود {لا يفرقون}. وقال: {بَيْنَ أَحَدٍ} على الافراد ولم يقل آحاد، لأن الأحد يتناول الواحد والجميع، كما قال تعالى: {فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ} ف {حاجِزِينَ} صفة لاحد، لأن معناه الجمع.
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «ما أحلت الغنائم لاحد سود الرؤوس غيركم» وقال رؤبة:
إذا أمور الناس دينت دينكا *** لا يرهبون أحدا من دونكا
ومعنى هذه الآية: أن المؤمنين ليسوا كاليهود والنصارى في أنهم يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض.
الثالثة: قوله تعالى: {وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا} فيه حذف، أي سمعنا سماع قابلين.
وقيل: سمع بمعنى قبل، كما يقال: سمع الله لمن حمده، فلا يكون فيه حذف. وعلى الجملة فهذا القول يقتضى المدح لقائله. والطاعة قبول الامر. وقوله: {غُفْرانَكَ} مصدر كالكفران والخسران، والعامل فيه فعل مقدر، تقديره: اغفر غفرانك، قال الزجاج. وغيره: نطلب أو أسأل غفرانك. {وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} إقرار بالبعث والوقوف بين يدي الله تعالى.
وروى أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما نزلت عليه هذه الآية قال له جبريل: «إن الله قد أحل الثناء عليك وعلى أمتك فسل تعطه» فسأل إلى آخر السورة.
الرابعة: قوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها} التكليف هو الامر بما يشق عليه. وتكلفت الامر تجشمته، حكاه الجوهري. والوسع: الطاقة والجدة. وهذا خبر جزم. نص الله تعالى على أنه لا يكلف العباد من وقت نزول الآية عبادة من أعمال القلب أو الجوارح إلا وهى في وسع المكلف وفى مقتضى إدراكه وبنيته، وبهذا انكشفت الكربة عن المسلمين في تأولهم أمر الخواطر. وفى معنى هذه الآية ما حكاه أبو هريرة رضي الله عنه قال: ما وددت أن أحدا ولدتني أمه إلا جعفر بن أبى طالب، فإنى تبعته يوما وأنا جائع فلما بلغ منزله لم يجد فيه سوى نحى سمن قد بقي فيه أثارة فشقه بين أيدينا، فجعلنا نلعق ما فيه من السمن والرب وهو يقول:
ما كلف الله نفسا فوق طاقتها *** ولا تجود يد إلا بما تجد
الخامسة اختلف الناس في جواز تكليف ما لا يطاق في الأحكام التي هي في الدنيا، بعد اتفاقهم على أنه ليس واقعا في الشرع، وأن هذه الآية أذنت بعدمه، قال أبو الحسن الأشعري وجماعة من المتكلمين: تكليف ما لا يطاق جائز عقلا، ولا يخرم ذلك شيئا من عقائد الشرع، ويكون ذلك أمارة على تعذيب المكلف وقطعا به، وينظر إلى هذا تكليف المصور أن يعقد شعيرة. واختلف القائلون بجوازه هل وقع في رسالة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أولا؟ فقالت فرقة: وقع في نازلة أبى لهب، لأنه كلفه بالايمان بجملة الشريعة، ومن جملتها أنه لا يؤمن، لأنه حكم عليه بتب اليدين وصلي النار، وذلك مؤذن بأنه لا يؤمن، فقد كلفه بأن يؤمن بأنه لا يؤمن. وقالت فرقة: لم يقع قط. وقد حكى الإجماع على ذلك. وقوله تعالى: {سَيَصْلى ناراً} معناه إن وافى، حكاه ابن عطية. {ويُكَلِّفُ} يتعدى إلى مفعولين أحدهما محذوف، تقديره عبادة أو شيئا. فالله سبحانه بلطفه وإنعامه علينا وإن كان قد كلفنا بما يشق ويثقل كثبوت الواحد للعشرة، وهجرة الإنسان وخروجه من وطنه ومفارقة أهله ووطنه وعادته، لكنه لم يكلفنا بالمشقات المثقلة ولا بالأمور المولمة، كما كلف من قبلنا بقتل أنفسهم وقرض موضع البول من ثيابهم وجلودهم، بل سهل ورفق ووضع عنا الإصر والاغلال التي وضعها على من كان قبلنا. فلله الحمد والمنة، والفضل والنعمة.
السادسة: قوله تعالى: {لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ} يريد من الحسنات والسيئات. قاله السدى. وجماعة المفسرين لا خلاف بينهم في ذلك، قال ابن عطية. وهو مثل قوله: {وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى} {ولا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها}. والخواطر ونحوها ليست من كسب الإنسان. وجاءت العبارة في الحسنات ب {لها} من حيث هي مما يفرح المرء بكسبه ويسر بها، فتضاف إلى ملكه. وجاءت في السيئات ب {عليها} من حيث هي أثقال وأوزار ومتحملات صعبة، وهذا كما تقول: لي مال وعلى دين. وكرر فعل الكسب فخالف بين التصريف حسنا لنمط الكلام، كما قال: {فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً}. قال ابن عطية: ويظهر لي في هذا أن الحسنات هي مما تكتسب دون تكلف، إذ كاسبها على جادة أمر الله تعالى ورسم شرعه، والسيئات تكتسب ببناء المبالغة، إذا كاسبها يتكلف في أمرها خرق حجاب نهى الله تعالى ويتخطاه إليها، فيحسن في الآية مجيء التصريفين إحرازا، لهذا المعنى.
السابعة: في هذه الآية دليل على صحة إطلاق أئمتنا على أفعال العباد كسبا واكتسابا، ولذلك لم يطلقوا على ذلك لا خلق ولا خالق، خلافا لمن أطلق ذلك من مجترئة المبتدعة. ومن أطلق من أئمتنا ذلك على العبد، وأنه فاعل فبالمجاز المحض.
وقال المهدوي وغيره: وقيل معنى الآية لا يؤاخذ أحد بذنب أحد. قال ابن عطية: وهذا صحيح في نفسه ولكن من غير هذه الآية.
الثامنة: قال إلكيا الطبري: قوله تعالى: {لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ} يستدل به على أن من قتل غيره بمثقل أو بخنق أو تغريق فعليه ضمانه قصاصا أو دية، خلافا لمن جعل ديته على العاقلة، وذلك يخالف الظاهر، ويدل على أن سقوط القصاص عن الأب لا يقتضى سقوطه عن شريكه. ويدل على وجوب الحد على العاقلة إذا مكنت مجنونا من نفسها.
وقال القاضي أبو بكر بن العربي: ذكر علماؤنا هذه الآية في أن القود واجب على شريك الأب خلافا لابي حنيفة، وعلى شريك الخاطئ خلافا للشافعي وأبى حنيفة، لأن كل واحد منهما قد اكتسب القتل. وقالوا: إن اشتراك من لا يجب عليه القصاص مع من يجب عليه القصاص لا يكون شبهة في درء ما يدرأ بالشبهة.
التاسعة: قوله تعالى: {رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا} المعنى: أعف عن إثم ما يقع منا على هذين الوجهين أو أحدهما، كقوله عليه السلام: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» أي إثم ذلك. وهذا لم يختلف فيه أن الإثم مرفوع، وإنما اختلف فيما يتعلق على ذلك من الأحكام، هل ذلك مرفوع لا يلزم منه شيء أو يلزم أحكام ذلك كله؟ اختلف فيه. والصحيح أن ذلك يختلف بحسب الوقائع، فقسم لا يسقط باتفاق كالغرامات والديات والصلوات المفروضات. وقسم يسقط باتفاق كالقصاص والنطق بكلمة الكفر. وقسم ثالث يختلف فيه كمن أكل ناسيا في رمضان أو حنث ساهيا، وما كان مثله مما يقع خطأ ونسيانا، ويعرف ذلك في الفروع.
العاشرة: قوله تعالى: {رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً} أي ثقلا. قال مالك والربيع: الإصر الامر الغليظ الصعب.
وقال سعيد بن جبير: الإصر شدة العمل. وما غلظ على بنى إسرائيل من البول ونحوه. قال الضحاك: كانوا يحملون أمورا شدادا، وهذا نحو قول مالك والربيع، ومنه قول النابغة:
يا مانع الضيم أن يغشى سراتهم *** والحامل الإصر عنهم بعد ما عرفوا
عطاء: الإصر المسخ قردة وخنازير، وقاله ابن زيد أيضا. وعنه أيضا أنه الذنب الذي ليس فيه توبة ولا كفارة. والإصر في اللغة العهد، ومنه قوله تعالى: {وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي}. والإصر: الضيق والذنب والثقل. والإصار: الحبل الذي تربط به الأحمال ونحوها، يقال: أصر يأصر إصرا حبسه. والإصر بكسر الهمزة من ذلك قال الجوهري: والموضع ماصر وماصر والجمع مآصر، والعامة تقول معاصر. قال ابن خويز منداد: ويمكن أن يستدل بهذا الظاهر في كل عبادة ادعى الخصم تثقيلها، فهو نحو قوله تعالى: {وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}، وكقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «الدين يسر فيسروا ولا تعسروا». اللهم شق على من شق على أمة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قلت: ونحوه قال إلكيا الطبري قال: يحتج به في نفى الحرج والضيق المنافي ظاهره للحنيفية السمحة، وهذا بين.
الحادية عشر- قوله تعالى: {وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ} قال قتادة: معناه لا تشدد علينا كما سددت على الذين من قبلنا. الضحاك: لا تحملنا من الأعمال مالا نطيق، وقال نحوه ابن زيد. ابن جريج: لا تمسخنا قردة ولا خنازير.
وقال سلام بن سابور: الذي لا طاقة لنا به: الغلمة، وحكاه النقاش عن مجاهد وعطاء.
وروى أن أبا الدرداء كان يقول في دعائه: وأعوذ بك من غلمة ليس لها عدة.
وقال السدى: هو التغليظ والاغلال التي كانت على بنى إسرائيل.
قوله تعالى: {وَاعْفُ عَنَّا} أي عن ذنوبنا. عفوت عن ذنبه إذا تركته ولم تعاقبه. {وَاغْفِرْ لَنا} أي أستر على ذنوبنا. والغفر: الستر. {وَارْحَمْنا} أي تفضل برحمة مبتدئا روى عن معاذ بن جبل أنه كان إذا فرغ من قراءة هذه السورة قال: آمين. قال اين عطية: هذا يظن به أنه رواه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإن كان ذلك فكمال، وإن كان بقياس على سورة الحمد من حيث هنالك دعاء فحسن.
وقال على ابن أبى طالب: ما أظن أن أحد عقل وأدرك الإسلام ينام حتى يقرأهما.
قلت: قد مسلم في هذا المعنى عن ابى مسعود الأنصاري قال قال رسول الله صلى الله علية وسلم: «من قرأ هاتين الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاء». قيل: من قيام الليل، كما روى عن اين عمر قال: سمعت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول: «أنزل الله على آيتين من كنوز الجنة ختم بهما سورة البقرة كتبهما الرحمن بيده قبل أن يخلق الخلق بألف عام من قرأهما بعد العشاء مرتين أجزأتاه من قيام الليل {آمَنَ الرَّسُولُ} إلى آخر البقرة.
وقيل: كفتاه من شر الشيطان فلا يكون له سلطان». وأسند أبو عمرو الداني عن حذيفة بت اليمان قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «إن الله جل وعز كتب كتابا قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عام فأنزل منه هذه الثلاث آيات التي ختم بهن البقرة من قرأهن في بيته لم يقرب الشيطان بيته ثلاث ليال».
وروى أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: «أوتيت هذه الآيات من آخر سورة البقرة من كنز تحت العشر لم يؤتهن نبى قبلي». وهذا صحيح. قد تقدم في الفاتحة نزول الملك بها مع الفاتحة. والحمد لله.

تم وبحمدالله تفسير سورة البقره
منقول من موقع
نداء الايمان
جزاهم الله خيرا


الموضوع الأصلي : تفسير السورة (البقرة) // المصدر : منتديات السهام الروحانية // الكاتب: وليدالرمحى
توقيع : وليدالرمحى






تفسير السورة   (البقرة) - صفحة 3 I_icon_minitimeالأحد يناير 15, 2012 5:49 pm
المشاركة رقم: #53
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو جديد
الرتبه:
عضو جديد
الصورة الرمزية

avatar


البيانات
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 11
تاريخ التسجيل : 15/01/2012

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:


مُساهمةموضوع: رد: تفسير السورة (البقرة)



تفسير السورة (البقرة)


أتمنــــى لكـ من القلب .. إبداعـــاً يصل بكـ إلى النجـــوم ..



سطرت لنا أجمل معانى الحب
بتلك المواضيع الشيقة التي تأخذنا
إلى أعماق البحار دون خوف
بل بلذة غريبة ورائعة
دمت لنا ودام قلمك



الموضوع الأصلي : تفسير السورة (البقرة) // المصدر : منتديات السهام الروحانية // الكاتب: JOHN CANA
توقيع : JOHN CANA






تفسير السورة   (البقرة) - صفحة 3 I_icon_minitimeالإثنين يناير 23, 2012 10:17 pm
المشاركة رقم: #54
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو جديد
الرتبه:
عضو جديد
الصورة الرمزية

avatar


البيانات
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 8
تاريخ التسجيل : 23/01/2012

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:


مُساهمةموضوع: رد: تفسير السورة (البقرة)



تفسير السورة (البقرة)


جزاك الله كل خير
ونفع بك
ودي


الموضوع الأصلي : تفسير السورة (البقرة) // المصدر : منتديات السهام الروحانية // الكاتب: سعود
توقيع : سعود






تفسير السورة   (البقرة) - صفحة 3 I_icon_minitimeالأحد فبراير 05, 2012 8:30 pm
المشاركة رقم: #55
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فعال
الرتبه:
عضو فعال
الصورة الرمزية

avatar


البيانات
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 21
تاريخ التسجيل : 02/02/2012

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:


مُساهمةموضوع: رد: تفسير السورة (البقرة)



تفسير السورة (البقرة)


اشكرك ع هذا التفسير


الموضوع الأصلي : تفسير السورة (البقرة) // المصدر : منتديات السهام الروحانية // الكاتب: goboy
توقيع : goboy






تفسير السورة   (البقرة) - صفحة 3 I_icon_minitimeالأربعاء فبراير 22, 2012 10:25 pm
المشاركة رقم: #56
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو ذهبى
الرتبه:
عضو ذهبى
الصورة الرمزية

avatar


البيانات
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 62
تاريخ التسجيل : 08/12/2011

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:


مُساهمةموضوع: رد: تفسير السورة (البقرة)



تفسير السورة (البقرة)


بارك الله بك على الموضوع الجميل وروعه
تحياتي لك


الموضوع الأصلي : تفسير السورة (البقرة) // المصدر : منتديات السهام الروحانية // الكاتب: النجم اللامع
توقيع : النجم اللامع






صفحات الموضوعانتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3


الإشارات المرجعية



التعليق على الموضوع بواسطة الفيس بوك

الــرد الســـريـع
..




الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 20 ( الأعضاء 3 والزوار 17)





تفسير السورة   (البقرة) - صفحة 3 Collapse_theadتعليمات المشاركة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


تفسير السورة   (البقرة) - صفحة 3 KEok?bg=99CCFF&fg=444444&anim=0&label=listeners

xml atom feed Rss  1 2  3  4 5 6  7  8  9 10  11  12  13  14  15 16  17 18  19 20  21  22  23  24  25 26  27  28  29 30  31  32  33  34  35  36  37 38  39 40  41  42  43 44  45 46  47  48  49  50  51 52  53  54  55 56  57  58  59  60  61 62  63 64  65  66 67 68  69 70  71  72  73 74  75  76  77 78  79 80  81 82  83  84  85  86  87  88  89 90  91 92  93 94  95  96  97  98  99  100  101  102  103  104  105 106  107  108  109 110  111 112  113 114  115 116  117 118  119  120  121 122  123 124  125  126  127 128  129 130  131 132  133  134  135  136  137  138  139  140  141  142  143 144  145  146  147 148  149 150  

منتديات السهام الاسلاميه

↑ Grab this Headline Animator

Bookmark and Share

RSSRSS 2.0XMLfeedHTML

RSS - XML- HTML  - sitemap

 


Preview on Feedage: %D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%87%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%88%D8%AD%D8%A7%D9%86%D9%8A%D9%87Add to My Yahoo! السهام الاسلاميهAdd to Google! السهام الاسلاميهAdd to AOL! السهام الاسلاميهAdd to MSN السهام الاسلاميهSubscribe in NewsGator Online السهام الاسلاميه
Add to Netvibes السهام الاسلاميهSubscribe in Pakeflakes السهام الاسلاميهSubscribe in Bloglines السهام الاسلاميهAdd to Alesti RSS Reader السهام الاسلاميهAdd to Feedage.com Groups السهام الاسلاميهAdd to Windows Live السهام الاسلاميه
iPing-it السهام الاسلاميهAdd to Feedage RSS Alerts السهام الاسلاميهAdd To Fwicki السهام الاسلاميه
Loading...

Powered by vBulletin®, Copyright ©2011 - 2015

Jelsoft Enterprises Ltd. a7la-7ekayaJ

تفسير السورة   (البقرة) - صفحة 3 Forumجميع الحقوق محفوظه لمنتدى السهام الاسلامية


 - الاتصال بناالأرشيفتحويل و برمجة الطائر الحر فريق احلى حكاية لخدمات الدعم الفنى و التطويرلعرض معلومات الموقع في أليكساالأعلى