وَقَوْلِهِ: {وَإِنْ مسه الشر فيؤوس قنوط}
وَقَوْلِهِ: {وَإِنْ مسه الشر فيؤوس قنوط} ، أَيْ فَهُوَ يَئُوسٌ.
{لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كفروا في البلاد. متاع قليل} ، أَيْ تَقَلُّبُهُمْ مَتَاعٌ أَوْ ذَاكَ مَتَاعٌ.
{وَمَا أدراك ما الحطمة. نار الله الموقدة} ، أَيْ وَالْحُطَمَةُ نَارُ اللَّهِ.
{إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كالقصر} ، أَيْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا كَالْقَصْرِ فَيَكُونُ مِنْ باب قول: {فاجلدوهم ثمانين جلدة} ، أي كل واحدمنهم وَالْمُحْوِجُ إِلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الشَّرَرُ كُلُّهُ كَقَصْرٍ وَاحِدٍ وَالْقَصْرُ هُوَ الْبَيْتُ مِنْ أَدَمٍ كَانَ يُضْرَبُ.على المال، ويؤيده قوله: {جمالت صفر} ، أَفَلَا تَرَاهُ كَيْفَ شَبَّهَهُ بِالْجَمَاعَةِ أَيْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنَ الشَّرَرِ كَالْجَمَلِ لِجَمَاعَاتِهِ فَجَمَاعَاتُهُ إِذَنْ مِثْلُ الْجِمَالَاتِ الصُّفْرِ وَكَذَلِكَ الْأَوَّلُ شَرَرَةٌ مِنْهُ كَالْقَصْرِ قَالَهُ أَبُو الْفَتْحِ بْنُ جِنِّي.
وَأَمَّا قوله: {ولا تقولوا ثلاثة} ، فقيل: إن [ثلاثة] خير مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: [آلِهَتُنَا ثَلَاثَةٌ] .
وَاعْتُرِضَ بِاسْتِلْزَامِهِ إِثْبَاتَ الْإِلَهِيَّةِ لِانْصِرَافِ النَّفْيِ الدَّاخِلِ عَلَى الْمُبْتَدَأِ أَوِ الْخَبَرِ إِلَى الْمَعْنَى الْمُسْتَفَادِ مِنَ الْخَبَرِ لَا إِلَى مَعْنَى الْمُبْتَدَأِ وَحِينَئِذٍ يَقْتَضِي نَفْيَ عِدَّةِ الْآلِهَةِ لَا نَفْيَ وَجُودِهِمْ.
قِيلَ: وَهُوَ مَرْدُودٌ لِأَنَّ نَفْيَ كَوْنِ آلِهَتِهِمْ ثَلَاثَةً يَصْدُقُ بِأَلَّا يَكُونَ لِلْآلِهَةِ الثَّلَاثَةِ وُجُودٌ بِالْكُلِّيَّةِ لِأَنَّهُ مِنَ السَّالِبَةِ الْمُحَصِّلَةِ فَمَعْنَاهُ: لَيْسَ آلِهَتُكُمْ ثَلَاثَةً وَذَلِكَ يَصْدُقُ بِأَلَّا يَكُونَ لَهُمْ آلِهَةٌ وَإِنَّمَا حُذِفَ إِيذَانًا بِالنَّهْيِ عَنْ مُطْلَقِ الْعَدَدِ الْمُفْهِمِ لِلْمُسَاوَاةِ بِوَجْهٍ مَا فَمَا ظَنُّكَ بِمَنْ صَرَّحَ بِالشَّرِكَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثلاثة} وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ واحد} فَأَفْهَمَ أَنَّهُ لَوْ وُجِدَ الْإِلَهُ يَكُونُ غَيْرُهُ مَعَهُ خَطَأً لِإِفْهَامِهِ مُسَاوَاةً مَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثم الذين كفروا بربهم يعدلون} وَلَزِمَ مِنْ نَفْيِ الثَّلَاثَةِ لِامْتِنَاعِ الْمُسَاوَاةِ الْمَعْلُومَةِ عَقْلًا وَالْمَدْلُولُ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ: {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ واحد} نَفْيُ الشَّرِكَةِ مُطْلَقًا فَإِنَّ تَخْصِيصَ النَّهْيِ وَقَعَ فِي مُقَابَلَةِ الْفِعْلِ وَدَلِيلًا عَلَيْهِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ فِي اللَّهِ وَعِيسَى وَأُمِّهِ: ثَلَاثَةً.
وَنَحْوُهُ فِي الْخُرُوجِ عَلَى السَّبَبِ: {لَا تَأْكُلُوا الربا أضعافا مضاعفة} .
وَقَالَ صَاحِبُ [إِسْفَارِ الصَّبَاحِ] : الْوَجْهُ تَقْدِيرُ كَوْنِ ثَلَاثَةٍ أَوْ فِي [الْوُجُودِ] ثُمَّ حُذِفَ الْخَبَرُ الَّذِي هُوَ [لَنَا] أَوْ فِي الْوُجُودِ الْحَذْفُ الْمُطَّرِدُ وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ تَوْحِيدُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ.
ثُمَّ حُذِفَ الْمُبْتَدَأُ حَذْفَ الْمَوْصُوفِ كَالْعَدَدِ إِذَا كَانَ مَعْلُومًا كَقَوْلِكَ: عِنْدِي ثَلَاثَةٌ أي دراهم وقد علم بقرينة قوله: {إنما الله إله واحد} .
وَقَدْ عُورِضَ هَذَا بِأَنَّ نَفْيَ وُجُودِ ثَلَاثَةٍ لَا يَنْفِي وُجُودَ إِلَهَيْنِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ تَقْدِيرَهُ [آلِهَتُنَا ثَلَاثَةٌ] يُوجِبُ ثُبُوتَ الْآلِهَةِ وَتَقْدِيرُ [لَنَا آلِهَةٌ] لَا يُوجِبُ ثُبُوتَ إِلَهَيْنِ.
فَعُورِضَ بِأَنَّهُ كَمَا لَا يُوجِبُهُ فَلَا يَنْفِيهِ.
فَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَنْفِهِ فَقَدْ نَفَاهُ مَا بَعْدَهُ من قوله: {إنما الله إله واحد} .
فَعُورِضَ بِأَنَّ مَا بَعْدَهُ إِنْ نَفَى ثُبُوتَ إِلَهَيْنِ فَكَيْفَ ثُبُوتُ آلِهَةٍ!.
فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا يَنْفِيهِ وَلَكِنْ يُنَاقِضُهُ لِأَنَّ تَقْدِيرَ آلِهَتُنَا ثَلَاثَةٌ يُثْبِتُ وُجُودَ إِلَهَيْنِ لِانْصِرَافِ النَّفْيِ فِي الْخَبَرِ عَنْهُ بِخِلَافِ تَقْدِيرِ: [لَنَا آلِهَةٌ ثَلَاثَةٌ] ، فَإِنَّهُ لَا يُثْبِتُ وُجُودَ إِلَهَيْنِ لِانْصِرَافِ النَّفْيِ إِلَى أَصْلِ الْإِثْبَاتِ لِلْآلِهَةِ.
وَفِي أَجْوِبَةِ هَذِهِ الْمُقَدِّمَاتِ نَظَرٌ.
قُلْتُ: وَذَكَرَ ابْنُ جِنِّي أَنَّ الْآيَةَ مِنْ حَذْفِ الْمُضَافِ أَيْ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ لِقَوْلِهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثلاثة} .
اسم الكتاب:
البرهان في علوم القرآن
المؤلف:
بدر الدين الزركشي
الفن:
علوم القرآن
عدد المجلدات:
4
للاطلاع على الكتاب إليكم الرابط:
http://raqamiya.mediu.edu.my/BookRead.aspx?ID=372